بقلم : ناصر الظاهري
الرابع: طلب أن يصبح رجل أعمال، ومع أنه لا يملك وأهله شروى نقير إلا أنه كان يصر على أن يملك الكثير حين يكبر، كانت أمنيته أن يملك «تجوري» يخزن فيه أموال الدنيا، ضحكنا وقلنا للمدرس: إننا شاهدنا فيلماً الأسبوع الماضي كانت قصته تدور بشأن رجل فقير تحول لأصحاب الثروة والسطوة حين كبر، وصاحبنا يريد أن يكون مثله، رمقنا بنظرة استعلاء وجلس
بهدوء عافّاً عن أن ينزل بمستواه إلى مستوانا حتى في الحديث. الآن وبعد أن كبرنا وافترقنا وأصبحت لا تجمعنا حتى مدينة واحدة، وتمر سنة وتأتي سنة ولا نلتقي، إلا أنهم طرأوا عليّ بشدة والسنة تعد أيامها الأخيرة، تذكرتهم وتذكرت مدرستنا والمقعد البني المتقشر، ومدرس اللغة العربية، وتمنيت لو عدنا إلى زمن الدراسة وكتبنا حصة التعبير من جديد، ترى..
هل تظل الأمنيات القديمة حية؟ أم تجبرنا الحياة على أن نعيد صياغة أحلامنا من جديد؟ هل ترغبون في معرفة أين ذهبت أحلام الفتية الذين ضمهم يوماً مقعد واحد؟ لأبدأ بي.. فأنا مدرس فاشل لتاريخ لم يتضح بعد، وممثل مسرحي لم أستمر طويلاً، وظروف كثيرة حالت دون أن أصبح مخرجاً سينمائياً، ربما أقول: إنني أدركتني حرفة الأدب.
الأول: الذي تمنى أن يصبح طياراً هو الآن موظف بيروقراطي، دخلت عليه قبل أشهر وطاولته تزدحم بالملفات، يغضب من أي شيء، ويعتقد أنه مظلوم في البيت والعمل والحياة، ويحس أن الأرض لا تطيقه، له أمنية واحدة هي أن يطير.. ولو من الحياة. أما الثاني: الذي تمنى أن يصبح طبيباً، الملعون الآن طبيب، لكنني لم ولن أتعالج عنده لا لسبب معين، ولكنني أكره أن أدخل مكانين.. المستشفى و«الكراج» لكل منهما رائحة تخنقني، وتسبب لي الدّوار والغثيان، وأشعر بأن أشياء ستفك فيَّ أو في السيارة ولن يعاد تثبيتها كما كانت سابقاً. سألت صاحبنا الطبيب هل يراجعك كثير من المواطنين؟ ضحك وقال: «العجائز فقط»! أما رجل الأعمال فهو الآن شبه عاطل عن العمل، على الرغم من أنه توظف أكثر من مرة وفي أكثر من مكان.
وفتح محلاً لبيع السيارات المستعملة، وكفل الكثير من الخياطين والسواقين والحلاقين، إلا أن ما يكسبه بهذه اليد تصرفه الزوجتان بأياديهن الأربع والأربعين، لذلك هو شبه عاطل عن العمل، ورجل أعمال.. ولكن لزوجتيه. حديث يلح كلما انقضى عام قديم، وهلَّ عام جديد آخر، لنفتح دفاتر التعبير القديمة، ونقلب الأمنيات، وإن كانت أحلاماً على صفحات قديمة أو «أماني» كانت على البال!
المصدر : الاتحاد