بقلم : ناصر الظاهري
مثل ذلك الشاعر العربي الذي كان يتغنى لفظاً بالإلحاد، وهو غير مقتنع تماماً، وفجأة زمجر الميكرفون في وجهه، وبَقّت مصابيح الإضاءة فوق رأسه، ما جعله يخاف من شيء ما، هم كثر، أولهم المحاكي تجارب شعراء من الغرب بطريقة خاطئة، وهو في حقيقة الأمر لم يعش تجربتهم، ولَم يتواءم مع معيشتهم، وليست له صلة مباشرة بهم، هو مثل أصحاب العنعنة، حدثنا فلان عن فلان، بعد ما استنسخ هو وأمثاله تجارب مغاربية بوهيمية وجودية وسوريالية خاطئة، وإلا ما معنى شاعر يصحو الصبح، ولا يغسل وجهه، لا نريد منه أن يتوضأ خمس مرات في اليوم، ولا يتطهر في نهر الأردن، لكن على الأقل أن يمثل نفسه الشاعرة على نظافة، وإلا ما يجوز الشعر الصادق إلا مع واحد محْلِطّ، مثل أولئك يسْتَعْدُون الرقابة، ويستغلون حلمها الصامت تجاه الإبداع الحقيقي، فتصبح الصبح على عنوان ديوان أو قصة أو رواية من الذي يناكف السماء، ويتشاجر مع الملكوت، ويخلط اللاهوت بالكهنوت، وهو أمر يجعل ذلك الرقيب يصحو من تابوته وتحنيطه، على شاكلة؛ «رأيت الله في شارع الجميرا»، وهذا كتاب حقيقي سمحت الرقابة بطباعته وتوزيعه عندنا، ونفدت طبعته الأولى، ومنع في معرض الكويت أو على منوال «لا أرغب في جنتك، ولن أدخل نارك» أو على غرار قول «الحلاج» في عامة أهل بغداد: «معبودكم تحت قدمي»، فقطع رأسه، وأحرق، فتبين لهم أنه كان يضع درهماً تحت قدميه، ولكن سبق السيف العذل.
وإذا لم يكن ذاك الشجار مع السماء، كان الأمر في ضرب الثالوث المحرم عندنا، السياسة والدين والجنس، فإما تنبيش في التاريخ، وإسقاط على السياسة، بعيداً عن المحاكمة النقدية، وإعادة قراءة التاريخ، وإما النغز في الدين ورموزه، ورفع راية العصيان، بعيداً عن تحليل الخطاب الديني، وإما استباحة جنسية بألفاظ سوقية، وصور حسية بعيدة عن الأدب ورقي لغته، تماماً مثل فيلم «بورنو» غير أصلي، في حين الروس أصحاب المدرسة الواقعية استغلوا الجنس أحياناً في السينما والأدب لتمرير الأيدلوجيا أو الأفكار الثورية، متحايلين على الرقابة، بذرّ الرماد في العيون أو خلط السم بالدسم، وسموا تلك الأمور «القطط الفاطسة»، بحيث يظهرون في الفيلم قُبلاً ساخنة، ومشاهد تعرٍ فاضحة، فيسرقون عين الرقيب، ويحولونها لهذه المشاهد، فيقطعها ويحذفها، ولا ينتبه للأفكار، نحن عندنا ما زال المؤلف أو الكاتبة في طور الحلم، ويطبع الواحد منهم كتاباً «إيروسي» مباشراً خالياً من الفن والأدب، ويسمي الأشياء بمسمياتها الشعبية، بغية اصطياد المراهقين والمراهقات، وأصحاب العقد «الجنس نفسانية»، وطمعاً بالمنع في معارض الكتب، ليفرح أن الكتاب مُنع وصادرته الرقابة، وهذا معناه إشهار جديد، ومزيد من البيع السري، وتعدد الطبعات.. تلك هي مراهقة الأدب من أهل غير الأدب!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد