بقلم : ناصر الظاهري
مسألة التفاؤل من شيء، والتشاؤم من شيء آخر ارتبطت بالإنسان قديماً، وتوارثت عبر الأجيال المختلفة ولآلاف السنين، وبعضها هاجر من مكان إلى مكان آخر بعيد، بفضل الهجرات الإنسانية، وبفضل دخول الأديان المختلفة، وما يتبعها من أساطير، ومرويات شفهية، ربما كانت المسألة في بدايتها بغرض التخويف، وإشاعة الرعب بين الناس، كما لعب السحر والشعوذة من قبل الكهان والعرافين، دوراً أساسياً في إشاعتها حتى أصبحت مع الوقت من المعتقدات، ورسخها الجهل والظلام والسكن في الغابات والكهوف والجبال وأسفار البحار، فكان لكل من تلك الأماكن أساطيره، وحيواناته الخرافية، وما ارتبطت بها من قصص وحكايات، وصفات تحلت بها، كالغدر مثل الضبع، والمكر مثل الثعلب، والوفاء مثل الكلب، والحقد مثل الجمل، والإخلاص مثل الحصان، والمراوغة مثل الحرباء، والجبن مثل الأرنب، والشجاعة مثل الأسد، والغباء مثل النعامة، لكنها صفات ليست بالضرورة صحيحة، وبعضها فيه مغالطات فاللبؤة أشجع من الأسد، وإن كان ملك الغابة، وأن ذلك المثل المشهور أن النعامة تدفن رأسها في الرمال، فالنعامة سريعة وشرسة في الركل وبإمكانها المراوغة، دون أن تدفن رأسها في الرمال، وجسمها الكبير في العراء، وقد خلّد الإنسان الأول تلك الأمور بنقوش على جدران الكهوف، وحده العلم والتمدن واختراع الكهرباء التي بددت ظلمات الليل، جالبة الضوء والضياء، جعل من تلك المسألة تخف، ويظهر لونها بطبيعته لا ما يعكسه الظلام من لون مخيف، ونسيها كثير من شعوب البلدان، لكنها مرات تعاود الحضور بطريقة أو أخرى، وكأنها ساكنة في قاع ذاكرة الإنسان.
مرأى القطة السوداء يدعو كثيراً من الناس للتشاؤم، بعكس القطة البيضاء والشيرازية ذات العيون الزرقاء، هنا الخوف من اللون، وما يمكن أن يعكسه في الظلمة، وما يمكن أن يكون قد رآه الإنسان القديم في ساعات لم تكن موفقة، فقد يصدف أن هبّت عاصفة قوية اقتلعت كل بيوته، بعد أن استشعرت تلك القطة السوداء ما يمكن أن تخبئ الطبيعة وتنذر به، لطبيعة رهافة سمع بعض الحيوانات، وإحساسها المبكر، فألصق تلك التهمة، وذاك النحس بتلك القطة السوداء التي رآها قبل العاصفة أو الزلزال، الغراب مصدر للتشاؤم لأنه نذير بالموت، والنعيق في الخرابات، ربما منذ أن دلّ الغراب قابيل كيف يواري سوءة أخيه هابيل، وهنا أيضاً يظهر اللون الأسود كإخافة أخرى.
البوم طائر جميل حين يحضر في لونه الأبيض عند كثير من الناس، لكنه إن ظهر بلونه القاتم أصبح من الناعقات على الخراب، ونذير شؤم، لذا تراوحت الأمور على مشاهدته، فشعوب تتشاءم منه، وأخرى تتفاءل به.. هل لون الظلام والليل الأسود مخيف بطبيعته، أم أن الإنسان الأول والذي كانت بشرته تميل للون نفسه، أضفى عليها هيبة الخوف والشؤم؟
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد