بقلم : ناصر الظاهري
المكتبات العامة في المدن الكبيرة، هي رئتها، وهي متنفسها، هي رمزها، وعنوان قاصدها، فلا يضل طريقه، ومقصد لباغي المعرفة، فلا يخطئ دربه، تبدأ صغيرة، ثم تكبر بحجم المدن أو تولد كبيرة حينما تكون المدينة محجة، وعلامة على خريطة العالم، وهكذا فعلت دبي، بالإعلان عن مكتبتها الكبرى، تلك الشجرة ذات الأفرع والأغصان والظلال، كمشروع حضاري وثقافي يرفعها درجات، حين تذكر المدن السياحية والاقتصادية، فتسمو بروحها الثقافية الرائدة، خاصة إذا عرفنا ما يتبع الكتاب وتواجده مطبوعاً على الرف أو رقمياً متخذاً زاويته الجديدة في ردهات المكتبات، من نشاطات وفعاليات تخالط الفن بالثقافة، وتناظر دار الأوبرا، وأن هناك حركة للترجمة ستبعث من جديد في المكتبة العربية، على غرار بيت الحكمة في عهد العباسيين الذهبي، فالنية متجهة نحو 25 ألف كتاب مترجم كخطة أولى، ومن المهم كذلك بعث العربية من جديد، ونفض ما علق بأرديتها من غبار التخلف والتكلس، لإنشاء قاموسها وموردها العصري، والذي توقف قبل ما يزيد على الستين عاماً، بجهود كانت مضنية من قبل المجامع اللغوية، فها هو قاموس للعربية يساير الوقت، ويتماشى مع المنتج الجديد، ويتصالح مع الأجيال العربية الجديدة التي هجرت لغتها الأم إلى لغات حيّة في العالم، وجدت فيها متنفساً عصرياً، بعيداً عن التعقيد النحوي الذي بلا فائدة في وقتنا الراهن، والتركيب اللفظي المتخشب الذي لا يتناسب مع سرعة إيقاع العصر، واختلاف أدواته.
كانت دائماً تحدوني أمنية قديمة وتتجدد أن يكون للإمارات مكتبة عظيمة تنفع الأجيال، وتحفظ مخزون البلاد، وتعطي الوجه الثقافي الراقي للإمارات، وجهودها الكبيرة في التنمية في المجالات كافة، مكتبة مثل مكتبات المدن المهمة في العالم، فحين تذكر باريس، تذكر المكتبة الوطنية، وحين نقول: واشنطن، نقول: مكتبة الكونغرس، وهناك مكتبات وطنية، تضمها مدن مثل المكتبة البريطانية في لندن، ومكتبات كبرى في «سانت بطرسبيرغ»، و«مدريد» و«موسكو»، و«بكين» و«لشبونه»، و«لايبتسغ» الألمانية، و«نيودلهي»، و«طوكيو»، و«سيئول» ومكتبات إيطاليا، هذه مكتبات تضاهي المتاحف الوطنية، وهي في وقت السلم محصنة، ومحوطة، وفي وقت الحروب من أسرار الأمن الوطني الإستراتيجية.
لا شك أنها فرحة، وبشارة خير أن يتوج عام القراءة، وجهود الدولة في صنع منظومة للقراءة، والاستفادة منها في مناحي الحياة، فالشكر واجب لصاحب انبعاث فكرة «دار الحكمة» في دبي، ودورها الريادي الوطني والقومي، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، الشاعر والفارس والمخطط، باعث الهمم، والذي يحض على تحقيق الأحلام، والدافع إلى النجاح، والمعضد للتفوق