بقلم : ناصر الظاهري
بالأمس لم يكن الفرح يحمل غير معنى الإمارات، كان مزهواً بلون علمها، كان نشيداً جميلاً بمثابة فرح عارم للجميع، أبرّد القلوب، وأسعد النفوس، وجعل الدموع تترقرق في المآقي والعيون، كان فرح الأمس، تتويجاً لعطاءات امتدت خمسة وأربعين عاماً، وأعمال زاهرة متواصلة، كان فرح الأمس شأن النجاحات الأخرى التي يفرحنا ظهورها وتألقها في سماء بلادي.
بالأمس كان للجميع حق الفرح، هذا الفرح الذي يمكن أن يصنعه فرد، أو يمنحه فريق أو تحظى بشرفه مدينة جميلة كأبوظبي، هو فرح من تلك الأفراح الجماعية التي قلما تسمح الأيام بها، وإن سمحت.. لا تعطينا طعمها سكراً في الفم، كما الأمس.. كان فرحاً بطعم قهوتنا المعمولة للتو، بطعم هيلها وزعفرانها، بطعم حديث مَنْ زلتها وصبّتها، أخت الرجال الذين يمكن أن ينتسبوا لأختهم شماء، ولا يخجلون أو يحرجون، كان فرحاً من تلك الأفراح التي تشبه الغيمة المظللة، المحملة، الشرود بأغانينا وآمالنا وأحلامنا المؤجلة وآمانينا.
هو فرح يشبه رائحة أول تباشير النخل في مساء ممطر، معطّر بدفء بيوت الطين، يشبه ضحكة القلب التي تأتي هكذا عفوية وبسيطة على وجه رجل نحبه، ونعضّده، وجهه وجه الخير، ومقدمه السماحة والبشارة، نتوج بفعله وأفعاله عمائم رؤوسنا، كان الأب زايد، واليوم الابن خليفة، خلف يورث السلف المعاني، وعز الأوطان.
فرحنا بالأمس.. يشبه صهيل امرأة نعشقها حدّ الوله، تحتل القلب، وتسكن الرأس، وحدها التي يمكن أن نناديها بـ الغالية أو ماء العين والنظر.
هذا الفرح الذي كان بالأمس يشبه لهفة العائدين المسافرين أشهراً في بحار من الزرقة والمسافات وعذابات الريح، من أجل لقمة حلال لأولاد صغار، وأمهم الصابرة، يشبه تمتمة أول طفل جاء متأخراً، بدا بالعافية، وبضحكة أسنان اللبن، يشبه أول كأس من بعد رحلة الظمأ، وحريق العطش.
يشبه نومة الظل في نهار القائلة، رائحة زهر الليمون والسفرجل في تلك البساتين القديمة.
يشبه مسك الأماكن القديمة التي يسربّها زمن العشق وذكرى الناس الأولين الطيبين.
كان فرح الأمس.. شيئاً من العطر.. شيئاً من المطر.. شيئاً من السُكر.
كان فرح الأمس.. غاية الرجال، وكان الرجال عزوة من نشدهم وناشدهم، ظهر الوفاء للوطن، والولاء للقائد، ظهر حبهم، ومعنى وجدهم، بان الانتماء.
كان فرح الأمس ملوّناً في عيون الجميع.. وليته يدوم.. ولا يغير علينا الحال، ويبقي المحبة هي التي تسيّر خطونا، والتسامح هو الذي يظلل مشينا نحو أعيادنا المقبلة، أعياد الوطن الجميل.