الجذر التكعيبي

الجذر التكعيبي

الجذر التكعيبي

 صوت الإمارات -

الجذر التكعيبي

بقلم : ناصر الظاهري

أنا والجذر التكعيبي لنا قصة، نبدو دوماً مثل «الجني والعطبة»، لا أنا أكن له محبة صادقة، ولا هو يبدو عليه تلك المودة، فبسببه عانيت كثيراً في المدرسة، وعنّفت، وتنمرت، ولَم أصدق أني أنهيت الصفوف الإعدادية وأنا أتعكز على مواد مثل الرياضيات والكيمياء والفيزياء، ففي الكيمياء كنت مع بعض الزملاء نمثل العناصر الخاملة، فقد كان مدرس المادة مصرياً، ضعيفاً جداً، لكنه يفهم كثيراً في الكيمياء، غير أنها كمادة لم تعنه في زيادة وزنه كيلوغراماً واحداً في أبوظبي العامرة خلال سنوات عمله، فأيقنا نحن العناصر الخاملة أن الكيمياء لا فائدة ترتجى منها في مجالدة الحياة، وخاصة تلك العناصر المسماة بالعناصر اللافلزية، لأنها لم تطعم يوماً شخصاً مخلصاً لها مثل الأستاذ أحمد، والأمر ذاته مع الفيزياء، فالمدرس العراقي حسان، كان يشبه جريدة نخل البصرة رفعاً، ودائماً يريد من كل العرب أن يفهموا بسرعة، غير أننا لم نفهم إلا الإزاحة، وكلمة «شاقولياً»، والمادة الثالثة المضادة لطموحاتي الكبيرة كانت الرياضيات، وخاصة الجذر التكعيبي، فالمدرس فايز الفلسطيني والذي وصلنا وهو مغيض علينا من دون أن ندري سبباً مباشراً لذلك، فاعتقدنا في البداية أن غيضه هذا من شدة الحر والرطوبة العالية في أبوظبي، لكن يبدو أن غيضه هذا لا دخل لنا فيه، لذا كنت أود حرق المراحل لأدخل القسم الأدبي منذ الصفوف الابتدائية، هرباً وفراراً من الجذر التكعيبي الذي يشبه عدواً وضعته الجغرافيا في طريقك التاريخي، وما سبب دخولي دنيا الأدب والإعلام إلا خوفاً من الجذر التكعيبي، وما يترتب عليه من صداع نصفي، ولولاه لكنت أريد أن أعمل صيرفياً مثلاً، لأكون فقط العضو المنتدب لأول مرة في حياتي، رغم يقيني أنني أجهل طبيعة عمله بالضبط، لكنني ما أن أتذكر المكاتب الباردة على الدوام، ورائحة الورق النقدي الجديد التي تشبه رائحة احتراق عجلات سيارة قديمة في الطريق السريع، والذي رؤيته لا تجعلني حريصاً جداً على تأدية سُنة صلاة الضحى، وتخوفي الدائم من الجذر التكعيبي الذي يمكن أن يظهر لي فجأة في أي معاملة حسابية بسيطة، كذلك كانت من الأمنيات أن أدرس الفلك، لأني أعشقه بصدق، وأحب السباحة فيه بالأحلام الجميلة، وقطف عميق الإيمان بروحي الصوفية المحلقة، والذي يحيط بك كإنسان من كل جانب، فلما أصبح الفلك غير التجلي والوجد وتلك الروحانية الهائمة، وغدا حسابات وفراغات، وفيها الجذر التكعيبي، اكتفيت بمراقبة النجوم عن بعد أو تأملها على كتف ضابط شرطة عابر أو سالك!
كان يمكن للجذر التكعيبي أن يكون معيناً لي في الحياة، لكن إعلانه التمرد على عقلي الطيب الذي يحب الخير والإحسان للعجائز والأرامل، ويتمنى الحب للجميع، ويحرّض عليه، جعلني أتخذ قراراً أعدّه صائباً تجاهه، بأن لا أدخله في حياتي الخالية من أرقام، المليئة بالحروف والأحلام، فما ضر يومي لو أنني ابتدأته بالحمد والبسملة، وخبأت كل ساعاته للنفس غير القلقة، وتركتها تسرح وتغدو في سبحانيتها، لا أرقام تفززها في مناماتها، ولا أسهم طائشة تعترض طريق دروشتها الأخضر، ولا جذر تكعيبي يريني النجوم في عزّ القائلة!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجذر التكعيبي الجذر التكعيبي



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 21:45 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 20:00 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

مطعم "هاشيكيو" الياباني يغرم كل من لا يُنهي طعامه

GMT 13:11 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

"جيلي الصينية" تكشف مواصفات سيارة كروس "جي إس"

GMT 05:09 2015 الخميس ,05 آذار/ مارس

انطلاق فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب

GMT 05:58 2015 الثلاثاء ,10 شباط / فبراير

سلسلة "جو وجاك" الكارتونية تطل عبر شاشة "براعم"

GMT 22:28 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

جورجينا رزق تبهر الأنظار في أحدث إطلالاتها النادرة

GMT 21:17 2017 الثلاثاء ,18 إبريل / نيسان

حارس نادي الشعب السابق ينتظر عملية زراعة كُلى

GMT 22:33 2013 الأحد ,28 إبريل / نيسان

"إيوان" في ضيافة إذاعة "ستار إف إم"

GMT 13:10 2013 الجمعة ,08 شباط / فبراير

الحرمان يطال 2.3 مليون طفل في بريطانيا

GMT 07:27 2020 الجمعة ,10 تموز / يوليو

"إم بي سي" تبدأ عرض"مأمون وشركاه" لعادل إمام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates