بقلم : ناصر الظاهري
أدخلت «ثورات» الشارع العربي، أو ما يسمى «الربيع العربي» كمصطلح سياسي، مصطلح «البلطجة» في قواميس العالم، التي مكانها الحقيقي الشارع وقاع المجتمع، لكن هناك مصطلحاً جديراً بأن يتداول هو «التشبيح»، أو «البلطجة الإعلامية» التي تمارسها بعض القنوات الفضائية، وبعض المدونين والمغردين ومستعملي شبكات التواصل الاجتماعي، اليوم لا يراد لك إلا أن تسمع صوتاً واحداً، وكأن ذلك الحراك العربي لم يثر على النظام الأوحد والشمولي والإعلام الموجه، لأنه تمترس وأصبح يغرد بنغمة واحدة وصوت واحد دون تقبل رأي آخر، معتبراً أن الكل أعداء له في هذه اللحظة الحرجة والمفصلية من تاريخ بلده، لذا كثيراً ما يبعد أو يبتعد الوطنيون الحكماء والمفكرون والمخططون من تلك الساحة التي يغشاها
الغوغاء، ويسيطر عليها الضجيج الصوتي دون فعل حقيقي نحو التقدم خطوات للأمام، «البلطجة الإعلامية» الواضحة، والتي تسيّرها بعض القنوات لترسيخ قناعات في أذهان الكثير من البسطاء والجهلاء من المتعلمين لفعل التغيير الاجتماعي في بلدانهم، لكنها مراهنة خاسرة مع الوقت، لأنهم لا يشكلون القوى المؤثرة كقوة الطبقة الوسطى في مجتمعات التغيير كما حدث في أوروبا، ولفرض سيطرة إعلامية هي كفقاعة الهواء، مستغلة خلو الساحة من منابر إعلامية صادقة ومدافعة بمنطق عن قناعاتها الوطنية ومكتسباتها الحضارية، وعارفة بجهل ما يقدمه
الإعلام الرسمي بتكلسه وكسله المهني، مثل هذه الفضائيات التي ركبت موجة «البلطجة الإعلامية»، تثير نقعاً من ريح في مكان ما، وتنظر لتشنج الناس وردود أفعالهم الغاضبة والمبنية على التعصب، ثم تنسحب بهدوء، لتفجر في مكان آخر بعيد دوياً من قنابل إعلامية توافق توتراً اجتماعياً، وكبتاً في الداخل، لتثيره وتخرجه من مكانه للعلن.
وبعيداً عن «البلطجة الإعلامية» المنظمة والمدعومة، هناك مغردون يصرخون من خلف أقنعة، وحجب أسمائهم وشخصياتهم الحقيقية لينفثوا كبت الداخل، وما لا يقدرون أن يقولوه أمام أهلهم وأولادهم وزملاء عملهم، ليصبوه على «الآخر» المعتبر عدواً، فقط لأنه قال رأيه، ونطق بما يعتقد أنه الصواب، وربما لأن لديه قوة استشرافية، ويحدث الناس بما يراه للمصلحة العامة، فيندفع الإعلام الاجتماعي بوسائل شبكاته السريعة ليحاصروا الفكرة، ويحاربوها، ويسكتوا الرأي الآخر بفعل «بلطجي أو تشبيحي»، وربما حرّفوها عن موضعها نحو تسفيف الأمور وتصغيرها، ووأد الفكرة النبيلة النيّرة.
فإذا كان علماء الإعلام في الماضي ينادون باختفاء «حارس البوابة الإعلامية»، فإننا في وقتنا المضطرب، وغير واضح المعالم، علينا أن ندعو حارس البوابة الإعلامية لكيلا يسمح للبلطجيين الإعلاميين بأن يدخلوا مدينتنا الآمنة، ويعيثوا فيها خراباً إعلامياً!
المصدر : الاتحاد