بقلم : ناصر الظاهري
تخوض أوروبا على أكثر من صعيد حملتها لمنع تمدد وتغلغل الإسلام داخلها، وهو ما يعرف بأسلمة أوروبا، والذي كان في بدايته خوفاً وهمياً، باطنياً، ثم انتقل ليصبح خوفاً معلناً، وهستيرياً، وهو ما اصطلح على تسميته «إسلامفوبيا»، وأوروبا، وإن وافقت على بناء بعض المساجد في مدنها، فإنها وافقت بخجل، ولكي لا تتهم بأنها ضد الحريات، والمعتقدات الدينية، وهي وإن وافقت على استقبال عدد من العائلات المسلمة كلاجئين سياسيين ومهاجرين، فإنما وافقت لكي لا تتهم لأنها ضد حقوق الإنسان، وضد مساعدته على منع الظلم، مثلما أملت عليها الحاجة على تقبل آخرين مسلمين نظراً لحاجتها إلى عمال وكفاءات رخيصة، حتى أن المهاجرين الأوائل ممن خدم بعضهم بلدان أوروبا في حروبها الوطنية في الحربين العالمية الأولى والثانية، وفي حروبها الاستعمارية خارج القارة، وغدوا مواطنين، وتكاثروا للجيل الرابع من أبنائهم، أصبحت تنظر إليهم على أنهم مسلمون في الأول، مواطنون في الآخر.
كل ذلك يدخل ضمن ما يعرف بـ«إسلامفوبيا»، والذي يقض مضجع أوروبا، على الرغم من أنها ساهمت في خلقه، خاصة بريطانيا التي استقبلت «الإخوان» وربتهم، إن لم تكن صنعتهم من الرؤوس الأولى المؤسسة لمثل تلك الحركات «الدينية»، مثلما استقبلت الكثير من السلف المجاهد، والكثير من منتمي الحركات «الثورجية» المتأسلمة، معتقدة أنها يمكن أن تستغلهم في أي وقت، ويمكن أن تشغّلهم في أي فرصة من أجل مصالحها، وتهدد بهم حلفاءها في حين تضاربت المصالح المشتركة.
تعاني أوروبا المربّية من أبنائها غير الشرعيين «المتأسلمين» في حياتها، وإيقاع يومها، وسير مجتمعها، مثلما تعاني منهم في سجونها، وهي من همشتهم في مناطقهم النائية، وأفقرتهم، وأطلقت أيديهم في تسهيل الممنوعات والسلاح والارتزاق بالقتل، لكنها اليوم تعاني من صداع «المتأسلمين»، وتلصقه بالإسلام، فهي في حربها الجديدة ليست ضد هؤلاء المرتزقة، بل ضد الإسلام والمسلمين في العموم، وكأنها لا تدري أنها بطريقتها العوجاء هذه إنما تستعدي المسلم المتصالح مع نفسه، وتعادي المسلم المنفتح على الآخر، وتهاجم المسلم الساعي لبناء وطنه ومستقبله، والنهوض بحضارته، ويمثل التيار اليميني المتطرف رأس الحربة في هذا الهجوم، ولعل «ماري لوبان» زعيمة حزب «الجبهة الوطنية» الفرنسية التي نعتت صلاة المسلمين في شوارع فرنسا، وتجمعاتهم، بأنها احتلال نازي لفرنسا، مما جعلها تخضع لمحاكمات لتحريضها على الكراهية الدينية والتمييز العنصري، ما برحت مثل أبيها «لوبان العجوز» تعلن الحرائق ضد العرب والمسلمين، والأمر ذاته انتقل لهما، كفخار يكسر بعضه بعضاً، فما بين الأب والابنة من كسر العظام، وما صنع الحداد، وعلى الطرف الألماني هناك حركة «بيجيدا» المطالبة بإخلاء أوروبا من المسلمين، والتي تتظاهر بالآلاف، وهي في طور النمو، وتشكل مناصريها في كل مدن أوروبا من أجل تطهيرها من ملايين المسلمين من دون تفريق بين مسلم متصالح مع دينه ومجتمعه الذي يعيش فيه، ومتسامح مع العالم، ومتأسلم هو صنيعة الأجهزة الأوروبية والأميركية، «ولِد ليقتل»، لا يَفّرَق من أمه المربية، ولا يُفرِّق بين هلال بريء، وصليب المحبة، وحدها تلك النجمة السداسية يخشاها ويهابها سراً وعلانية!