بقلم : ناصر الظاهري
من الأفلام الجميلة التي أنتجت قبل سنتين، وبقيت عالقة في الرأس أو لنقل بقيت أسئلتها المشاغبة تطرق الذاكرة، فيلم «ستيل أليس»، والذي لعبت فيه الممثلة الرائعة، والتي أحبها بصدق منذ زمان، ومازلت، «جوليان مور» دور معلمة جامعية تصيبها فجأة أعراض التدهور الإدراكي أو الزهايمر، والذي نالت عليه جائزة الأوسكار لصدق وروعة أدائها.
يومها ارتبط الفيلم عندي بأسئلة كامنة في النفس، وبحادثة غريبة، ولعلها من باب الصدفة، لنقل، ولا أدري لما تحدث أحياناً مثل تلك الأمور؟ وفي أوقات بعينها تجعل من طرح الأسئلة أمراً ملحاً على النفس، يومها رأيت رجلاً أوروبياً ستينياً أو سبعينياً، تائهاً بين تقاطعات الشوارع، يبحث عن عنوان فندقه، وفي يده بطاقة الفندق، وبطاقة الغرفة، فأيقنت أنه ربما ضيّع الاتجاهات، ففي صغرنا، كنا نسمع كثيراً أن بعض الشواب إذا ما غابت ظلة الجدار التي يمشي بمحاذاتها، غيّب اتجاهه، ولا عرف يصل بيته، أو إن كان كثير النسيان، نعت بالخرف، وإن ظل يجتر شيئاً رغم أنه أدرد، بلا أسنان، قلنا: «الشيبة يلوك لبان الملائكة»، دليل أنه سيودع دنيانا قريباً، وهناك عجائز كنّ إذا ما أصبحن الصبح، طلبن من أولادهن أن يقبلوا بهن صوب القبلة، لكي تموت وهي تشاهد القبلة.
وقفت مع الرجل محاولاً تبسيط الطرق لفندقه، وحددت له الاتجاه، وسألته إن كان يقدر على المشي، فقال أفضّله، لكنني خفت عليه الضياع، وتحركت قصة الفيلم في رأسي، فطلبت منه أن أوصله، لكنه رفض، فوضعته على السكة الصحيحة، والسير باتجاه واحد، ورغم ذلك بقي ساكناً في رأسي، وأسئلته الكثيرة تحاصرني.
لمَ بعض هذه الأمراض لم نسمع عنها من قبل؟ وكأنها وليدة عصرنا أو أنها لم تتطور لتأخذ منحى الظاهرة إلا في وقت حضارتنا، اليوم هناك أكثر من أربعة وأربعين مليون مصاب بالزهايمر الذي يعد المرض الأكثر تكلفة في العالم، حيث تبلغ قيمة علاج مرضاه أكثر من 600 مليار دولار، لذا تم تخصيص يوم للاحتفاء به، وتذكير الناس بسبل الوقاية منه، ورعاية المحتاجين الذين أدركهم في أعمارهم المختلفة، الزهايمر ليس مسألة خرف، ونسيان، إنه تدهور الإدراك، وضياع الزمان والمكان، وعطب الذاكرة كلها التي ظل الإنسان يبنيها بالمعارف والعلوم والأسفار والخبرات، وفجأة يجد نفسه لا يستطيع، ولا يعرف كيف يربط خيط حذائه، أو لا يمكنه أن يتعرف على وجه ابنته التي كبرت في حضنه، وبين عينيه، ولا يعرف أين، وكيف يقضي حاجته، يضيع الكلام، ويأتي الاكتئاب، ويعيش الإنسان في وحدة لا يعرفها، الزهايمر اشتق من اسم العالم الألماني (Aloysius Alzheimer) الذي اكتشفه عام 1906م، الغريب أن من مسبباته وجود نسبة عالية من الذهب في البول والدم!