بقلم _ ناصر الظاهري
تذكرة السفر هذه المرة تسافر في حكاية صورة قديمة اتخذت لنا نحن مجموعة من السياح من جهات العالم الأربع ذات نهار عند قلعة «هايدلبيرغ» الألمانية، الواقعة على نهر الـ «نيكر» وعلى سفوح جبل «كونيكيشتهال»، أو «كرسي الملك» والذي استغرق بناؤها من عام (1400 - 1619)، ويوجد في قبوها أكبر برميل للنبيذ في العالم، يصل حجمه إلى 220 ألف لتر.
تبدو اليوم الصورة باهتة قليلاً، وتميل للبني الفاتح، والتي حظي كل منا بنسخة منها مقابل «ثلاث ماركات» ألمانية في حينها، وبالاتفاق بين الشركة السياحية، ومصور الساحة، والذي يدفع ضريبته بانتظام للبلدية، كان وقتها في الستين ويزيد، ويستعمل كاميرا ألمانية بالتأكيد «هاسلبلاد»، وفيلماً من المقاس العريض «135 ملم».
جلوساً من الجهة اليمين ياباني وزوجته، وأبوها الذي كان يعتمد على كرسي متحرك، وأجزم أنهما مازالا يهرمان مع بعضهما، بعدما ودعها أبوها بعد تلك الرحلة بسنوات أو دخل دار العجزة باختياره، تاركاً لهما متنفساً في البيت العائلي الذي بالكاد يفي بالحد، زوجان من أميركا اللاتينية، يبدو الرجل متزوجاً متأخراً بفتاة تصغره، ويبدو أن زواجه الثاني بعد فشل واضح من الزواج الذي كان معتقداً أنه عن حب، ثمة خيانة مخفية في المسألة، بدليل استعلائه على الزوجة الجديدة، وتعامله معها بفحولة كاذبة، وحقيقة لا أعتقد أنهما معاً حتى الآن، فلا الفتاة كانت مقتنعة كثيراً، ولا هو كان ينشد بيتاً عائلياً، باكستاني شاب مع زوجته الجميلة، المتحنية، والوحيدة التي يمكنك أن تعدها أنثى، بملامحها الواضحة، كانت مرتبكة بأنوثتها المفرطة، وتستدعي الخجل من بعيد، حيث كان يمكنك أن تحسب شعرات حاجبها الناعم أو تلك الشعيرات التي تسكن بطفولة خلف الأذن مباشرة، كانا في شهر العسل، ملابس الفتى تدل أنه سليل عائلة إقطاعية، وأبوه لا يبخل عليه بشيء، خاصة بعد أن أظهر تفوقاً ملحوظاً في المدرسة، العروسة الآن تبدو ممتلئة أكثر، بعد ولادات متعاقبة، ولا تطيق أن تخرج من بيتها، ونسيت مثل تلك الرحلات الأولى، وهو غالباً ما يمكث في لندن مطولاً في الآونة الأخيرة.
وقوفاً أميركي مع زوجته الهرمة مبكراً، نتيجة تعاطي هرمونات في بداية حياتها، وتعاني مشكلات نسائية لا تنتهي، مع عدم اكتراث واضح منه لتلك المسألة، فهو يمزح ويضحك، ويداعب النساء رفيقات الرحلة، لكن الباكستاني تقبل منه امتداح جمال زوجته على مضض، والتي لم تفهم ما يعنيه ساعتها، عجوز سيرلانكي يوحي لك أنه متقاعد من وظيفة كبرى حكومية، يشبه النفر من العلماء في القرون الماضية الذين يعتمدون على الورق المطوي والقراطيس والدفاتر العتيقة، سحنته الضاربة في سواد أشبه بطمي الطين الأول، آدمة لون الغجر، كان أشبه بمعلم يعرف تفاصيل تاريخية مذهلة عن المدينة، أحرج كثيراً وقتها مرشدة الفوج السياحي، تلك الشابة الألمانية، كفرس متينة العظم، ونكمل..