بقلم : ناصر الظاهري
مثل مسافر حالم.. كأن بينه وبين القدس شبراً.. تقصد مسجد عمر بن الخطاب، تصلي ركعتين، تحية للمسجد ولصاحبه الذي حاذى النبي، وصلى عليه، وتابع رسالته إلى الأمم، وكتب العهدة العمرية لأهل المقدس، وكان يخاف إن أخطأ أن لا يقوّمه أحد بسيفه، وكان يصرف من بيت مال المسلمين دراهم لعجوز يهودي من أهل الذمة في المدينة المنورة، وكان يرهق نفسه هماً وحزناً وكمداً إن تعثرت شاة في العراق.
تمشي على قد رمية عصا الخليفة الفاروق، فتصل كنيسة القيامة، الغاشية بالناس، تشعر بطمأنينة ودفء كلمات ابن الناصرة الساكنة تلك الجدران الحجرية الباردة.
تجول في الأزقة، وتتوقف عند بعض الحوانيت، إلى أن تصل إلى البوابة الخضراء من الحديد والخشب، يستوقفك مجند ملامحه حبشية، ولا يبدو مقتنعاً كثيراً، ولا مكترثاً بالدين، يمكن أن تسيّره دولارات كثر، أو شيكلات جديدة، أرض الميعاد عنده، قد تكون أي ولاية أمريكية، كفرحه المنسي في غابات لا يتوقف عنها المطر، لا يذكره بها إلا قرع طبول الغاب التي تسري في
دمه، وأنسته إياها الرحلات المفاجئة، لديار كانت مفاجئة، مجند إشكنازي يبدو أكثر مرتبة، وأقل رتبة عسكرية، يتحقق من أنك مسلم، ولا تحمل أسلحة، يمر فلسطيني عجوز يبدو أنه ملّ من التدريس، ويصرخ في وجه الجندي الذي يبدو أنه يعرفه: «خليهم.. يدخلوا يصلوا» فيرد المجند الفلاشي: «يا أبو محمود.. مش شغلك»، يتحدث المجند الآخر مع أشخاص وهميين من خلال الـ«ويلس» بالعبري يعطينا أوراقنا، ويقول: «تفضلوا..».
تدفع «ظرفة» الباب الخضراء، محتسباً وهجاً من نور يغمرك، أو ريحاً من الجنة يحضنك، تنسى كل الذي خلفك، وتدخل بسم الله، وبرجلك اليمين، وتصلي على النبي، أحمد العربي، وآل إبراهيم، وعيسى، وموسى، ومن تذكر من أنبياء، وأولياء، ورجال صالحين، وفاتحين، وبالخير قانطين، وراكعين ساجدين، عابدين، بالنهار عاملين، وبالليل ناسكين.
لا تتخطى مسجد قبة الصخرة، وتلزمك ركعتان واجبتان، تتأمله، وتشدك القبة الذهبية، والزليج الأزرق والفيروزي، متذكراً حلماً طفولياً كان يزورك بين الحين والليل، شيء من السماء الزرقاء، وتجلي عرش، ورهبة مقام النور الغاشي، كأنه اللجين، تجدد وضوءك، وتنزل درجات عشر، وتمشي خطوات عشر، تتخطى الصحن مهرعاً، مهرولاً صوب ثالث الحرمين، وأولى القبلتين، ويطول بك الركوع، ولا تمل السجود، معفراً خدك بتربته، ماسحاً جبهتك بأرضه، متمنياً لو أن الوقت دهر لا يمر.. وأن تلك السجدة في ظهيرة تلك الجمعة، كانت آخر عهدك قبل أن تعرج إلى مسار قطب كبير ووحيد، حيث الرؤيا القديمة بنور غاش، كأنه اللجين.