بقلم : ناصر الظاهري
كانت جل العروض السينمائية وقتها مجانية، وفي الهواء الطلق، والساحات العامة بالقرب من البلدية، وكانت بعض شركات النفط العاملة تعرض أفلاماً، مثلما تفعل بعض المستشفيات الأجنبية، خاصة أن التلفزيونات كانت نادرة، والمحطات المحلية معدومة، والأجهزة التلفزيونية «أم عرشة وأريل» يظل واحداً من أفراد العائلة على السطح دائماً، مهمته أن يدوّر ذلك الـ«بايب» المعدني، وهو يصيح: «ها.. صفا التلفزيون وإلا بعد»، وربما كان يستمتع بتلك المهمة التافهة، حيث لا يرتاح ذلك المنادي إلا إذا جاء الصيف، وهبطت الرطوبة العالية لدرجة التشبع، حينها يمكن أن نلتقط تلفزيون البحرين وآرامكو وإيران، والتي كانت في جلها مشوشة، ومرة تختفي الصورة، ومرة أخرى يختفي الصوت.
كانت الأفلام أكثرها بالأسود والأبيض، والأفلام الأجنبية ملونة بقدر، وتميل للون البني، ظلت تلك العروض السينمائية العسكرية مستمرة حتى وقت متأخر، وبعد أن صارت في أبوظبي سينمات عدة مثل، سينما «المارية» المكشوفة، والتي هي الآن في موقعها، وكانت تعرض أفلاماً هندية في العموم، وسينما «الفردوس» المكشوفة، والتي كان موقعها على طريق الميناء،
وكانت تعرض الأفلام الإيرانية، ومن ثم بدأت تعرض أفلاماً صينية، لـ«بروسلي» ولعبة «الكونغ فو، والكاراتيه»، وسينما الخضراء المغلقة، وكانت بين شارع حمدان، وشارع خليفة، وكانت تعرض كل شيء، وفيها رأيت أول فيلم مصاصي الدماء «دراكولا» في حياتي، يومها شعرت بالخوف، وحاصرتني أسئلة كثيرة، لم أجد أحداً باستطاعته أن يجيب عليها، وهناك
سينما الوطنية، وكانت متذرية وغير مشهورة، حتى لم أعد أذكر مكانها، وفي العين كانت سينما الواحة المكشوفة، ومكانها قبل دوار الساعة، عند ملعب البلدية القديمة، وكانت تحيط بها عرصة يعرض الباعة المتجولون فيها المشروبات وخفايف المعجنات، وبعد وقت طويل افتتحت سينما الجيمي المغلقة، المحاذية لدوار الجيمي، كانت تذاكر السينمات بدرهم ودرهمين، ومرات فيلمان بتذكرة واحدة، وتعرض قبل «سامبل» الأفلام الجديدة، شيئاً يشبه نشرة الأخبار العالمية المصورة بكاميرات «16 ملم»، ويتبعها تعليق، والأخبار فيها قديمة، ولكن لا أحد سمع عنها أو عرفها، كأخبار الحروب والأزمات.
وهكذا.. شيئاً.. فشيئاً غابت العروض السينمائية في الهواء الطلق، مثلما غابت الفرقة الموسيقية المصاحبة لعرض الفيلم من الصالات السينمائية، والمختصة بخلق التأثيرات الموسيقية على أحداث الفيلم، كذلك غابت السينما المفتوحة التي يمكن أن تشاهد الفيلم من موقف سيارتك بعد أن تضع خرطوماً ينقل لك الصوت، وكذلك اليوم يغيب مشغل السينما من تلك الغرفة الصغيرة الرطبة، والتي قد يهرم فيها، في حضور «الديجيتال»، وتغير تذكرة السينما، وتطور كيس الفرّاخ!
المصدر : الاتحاد