بقلم : ناصر الظاهري
هكذا هو مقام العظماء عند الشعوب والأمم، مقام لا يسمو إليه كل أحد، ولا يناله إلا المجتهد الصابر، والكريم البار بشعبه وبلده، فالعظماء يبقون شهوداً على حاضر الوطن ومستقبله، وإنْ غابت أجسادهم في ثراه، يطلون علينا من خلال تسمية شارع وجامعة وصرح ثقافي ومعلم حضاري أو يزينون الساحات العامة بنصبهم التذكارية التي تخلد حضورهم في ذاكرة من سيأتي، ومن ينعم وسينعم بما صنعوا وشادوا وخططوا، فالأوطان لا تنسى روادها ولا حرّاسها، ولا باعثي النهضة فيها، وإنْ جفت بعض أوراق وأحبار التاريخ يوماً، فسيأتي من يبعث الوهج والنور حولها وفيها، وحده التاريخ مأوى لأسماء العظماء والشرفاء والفرسان والشهداء، ومن كانوا يعرفون معنى النبل.
كنت قد ناديت قبل سنوات بأن تحظى العاصمة بنصب للمغفور له، الشيخ زايد بن سلطان، طيّب الله ثراه، وجزاه عنا وعن الوطن خير الجزاء، تقديراً لما عمل وصنع لهذا الوطن، وعرفاناً بما قدم لأمته العربية والإسلامية، وللإنسانية جمعاء، فقد كان مثالاً للإنسان النبيل، لا يفرق بين أحد، ولا بين دين وملّة، ولا بين صديق وشقيق، ولا بين غريب وقريب، كان يجسد الفروسية في أبهى حللها، ويمثل الصدق في أدق معانيه، فَلِم لا تظل ذكراه باقية على الدوام في أوقات يومنا، كما هي عطرة في نفوسنا، وذلك من خلال إقامة نصب تذكاري يكون شاهداً على الوقت، وأمام أعين من سار أو أتى، ويكون نبراساً يزين جبين العاصمة، ومثالاً يتراءى للأجيال الجديدة التي تشهد مكتسبات، وتجني من مقدرات حافظ عليها الرجل، وضحى من أجلها، وصبر على ثمرها.
وفي يوم لم يكن بالبعيد، ولكنه من أيام الفرح التي تبهج النفس، وتجد في ذاك النهار مبتغاها وسعادتها، أرفق ابنه، شبهه وشبيهه، أن يقام للرجل العظيم نصب يليق بمقامه، ويسمو لمرتبته، ويفرح وطنه ومدينته، ساعتها اطمأن القلب، وكاد يطير من فرط النشوة، فالتذكر، وعدم النكران، وتقدير المعروف، والشكر، كلها تجعل دمعة العين تنزل سخينة، ولا تبرد من ساعتها، وليس كمثل دمعة عين بكت زايد، وبكت عليه.