بقلم : ناصر الظاهري
سياحة أهل الخليج تختلف من بلد لبلد، محبو تايلند يعشقونها، لأنهم يمكنهم أن يتصرفوا كما في بلادهم، ويجدوا فيها ما في بلادهم، المطاعم نفسها، المحلات نفسها، المقاهي نفسها، الأكل نفسه، والجو يكاد يكون نفسه، فقط الذي يختلف أن مستشفياتهم تختلف، والعناية الصحية فيها تختلف، والمعاملة فيها تختلف، والأجواء تختلف، لذا تبقى تايلند المفضلة عند أهل الخليج، صيف، شتاء! سياحة أهل الخليج في لندن، لم تختلف منذ أن عرفوا تلك المدينة الضبابية، وصبغوها بطابعهم العربي، بعض الشوارع تشبه شوارعهم، والمطاعم تشبه مطاعمهم، وما يعجزون عن أن يجدوه في بلادهم، توفره لندن بسخاء، لندن علاج، وشفاء، وشراء وتسوق، ومغامرة ومقامرة، وتفَقُد المال والحلال، وزيارة الأرحام، وعادات صيفية يصعب على أهل الخليج أن يتخلّوا عنها بسهولة.. لندن مربط خيلهم!
سياحة أهل الخليج في فرنسا وسويسرا تنحصر في شارع أو شارعين، فيهما يستعرضون ملابسهم المزركشة، ونظاراتهم وحقائبهم ذات العلامات التجارية الغالية وساعاتهم، وسيارتهم ذات الأرقام المميزة، وكأن الصيف ما هو إلا ليال تمضي في كسب ود النساء واللقاءات المحظورة، فيهما يمكنك أن تشرب قهوة «مقندة» على بحيرة جنيف أو تجد «ريوقك» بلاليط وعليه قرص بيض، يمكنك أن تستل مدواخك، وتعمّر رأسك بغليون حار في شارع الشانزليزيه، كلما كنت متصوعاً، في كلتا المدينتين اللتين تتحولان لعواصم خليجية أثناء أشهر الصيف، قد تجد ما يسرّك، لكنهما تحافظان على ميزة الفحوص الطبية، والاطمئنانات الصحية، والعمليات التجميلية، وحدهما تلكما المدينتان يمكنهما أن تعيدا رونق الشباب للوجوه العابسة طوال الشتاء، المتنسكة في الأشهر الحرم! سياحة أهل الخليج للقاهرة، لم تتغير منذ ثورة 23 يوليو، ينقلون وينتقلون لها بقضهم وقضيضهم، ثمة إخلاص في التعامل مع مصر وأماكنها، لا هي تتغير عليهم، ولا هم يمكن أن تغيرهم المدن، يذهبون لنفس المكان، ويضحكون على نفس النكتة، يشتكون من الأكل في مصر، لكنهم يأكلون حتى التخمة، يشتكون من الزحمة وتعب المعاملات، والكثير من المضايقات الصغيرة، لكنهم ينسونها كلها كلما حلّ الصيف، وعنّت القاهرة على البال! سياحة أهل الخليج في تركيا، يذهبون إليها خماصاً، ويرجعون منها بطاناً، فكل ما في تركيا طيب ولذيذ، وما ينشبع منه، لحمهم وحلاوتهم ورخص ملابسهم والفخامة عندهم في كل شيء، والعمليات التي في جنيف أو لندن «بذيج الحجيه»، يمكن أن تتيسر في إسطنبول بربع القيمة وأحسن، والشعر الهارّ، يمكن أن يصبح مثل شعر «مهند» في أشهر، والخدود الذاوية، يمكن أن تصبح مثل خدود السلطانة «هيام» في أيام، في تركيا يعيش أهل الخليج سياحتهم مثل سير وقت «تنابلة السلطان»، «أكل ومرعى، وقلة شغلى» لأنهم مطمئنون أينما ذهبوا بعيداً عن لحوم الخنازير التي هي الفاصل بين الجنة والنار! سياحة أهل الخليج تتنوع بين مدن دائمة ومقيمة، مثل مدن ألمانيا كل صيف، يأتونها متوجعين، ويخرجون منها راقصين، ولكنها لا تخضع لطلباتهم، ولا تعتمر عماماتهم، ومدن يفرضون عليها إيقاع حياتهم، ويلبسونها من ثيابهم.. سياحة خليجية.. سياحة «غير نمونه»!