بقلم : ناصر الظاهري
تلقيت اتصالاً هاتفياً من رقم مبعثر، فقلت في خاطري، بالتأكيد هذا هندي، وغلطان، لكن إصراره المتكرر على الاتصال مرة، وأخرى، جعلني أشك، وأرد عليه، فإذا بالمجيب وكأنه في بدالة حكومية، لغط، وأصوات متشابكة، وتحويل الخط، وانتظار، ومقطوعة موسيقية تدار في غير وقتها، لينبري صوت من الأثير أنثوي يزف لي بشارة الفوز والكسب السريع، وأني أصبحت مليونير الشهر، ومثل هؤلاء حينما يكون «لديك بارض»، ولا شيء يعكر مزاجك، وأمورك المالية مستقرة، يمكن أن تسايرهم للنهاية، لكنهم دائماً ما يتصلون وقت الضيق أو أثناء صلاة الظهر أو بعد القائلة وغداء الوالدة أو تكون تبحث عن موقف لسيارتك، ساعتها لو يبشرونك بالذهب، فكيف وأنت تدرك أن الصوت الأنثوي مدرب على النصب، لا الفتح والتنوين والضم!
هناك أناس لا يتعبون من النصب، ويسلكون الطرق كلها، بعضها فيه شيء من الذكاء، وبعضها تشعر أن النصاب يستغبيك، فلا تقبل أن تطيعه، لينصب عليك، وما الرسائل التي ترد بريدي الإلكترونيي، والتي وضعت لها ملفاً خاصاً، سميته «انتربول» وألقي فيه كل ما يردني: رسالة من ابنة القذافي، وأنها محتارة في أموالها، بعد وفاة الوالد القائد، وأنها تثق بشخصيتي الكريمة، والمتعاطفة معها، ومع محنتها الإنسانية، وأنها تريد أن تستأمنني على مبلغ 50 مليون دولار، كمعاملة أولى وتجريبية بيننا، وإنْ سارت الأمور على خير ما يرام، وصارت المودة، أسسنا شراكة بالمناصفة فيما بيننا، وهناك رسائل من «سهى عرفات، أم زهوة، وزوجة الختيار الله يرحمه» في ضائقة مالية، وتريد النخوة العربية، وتنشد الهبّة القومية، وترتجي من رجال النضال المقدس، المؤمنين بتحرير الأرض شبراً.. شبراً أن ينتشلوها وابنتها من تصاريف الدهر، وثقل وطأة اليورو على الحرّة العربية!
أما رسائل مدراء بنوك، ومدققي حسابات، ومحامين مستأمنين على أموال يتامى في بوركينا فاسو، فهذه لا تتوقف، وهي تكاد تكون نسخة متكررة، تتغير الأسماء، والعناوين فقط: أرملة «سبالوه» بعدما تركها الجنرال في غيبته الأخيرة وحيدة، ترك لها تركة، لكنها لا تستطيع أن تتصرف بها، خوفاً من العسكر، وقادة الانقلاب الجديد، وهي تريد تهريبها للخارج، ولكن لضخامة المبلغ، تريد أن تتصرف بسرية، وكتمان شديد، لكن ما تحتاج إليه منك، كبداية لشراكة تتمنى أن تدوم طويلاً، ثلاثة الآف دولار، لتسيير الأمور، وتسليك المسائل!
أما رسائل النصب المشفوعة بصورة امرأة مثيرة، من ممثلات الـ«بورنو»، فهي كما ترى جميلة، ومثيرة، والناس طامعة فيها، وتلاحقها، لكنها استطاعت الهرب، وهي الآن لاجئة في حدود «مالي»، فترجع تنظر لصورة الشقراء المثيرة، والتي تبدو أنها ألمانية، وتتخربط عندك الجغرافيا، شو وصلّها «مالي»، تريد أن تنجر وراء عاطفتك الجيّاشة، وتساعدها بكم ألف دولار حتى تفك محنتها، وتخرج من «مالي»، ثم تتراجع، وتقول: «مالي، ومالها»!
هناك رسائل من ترى مكتوباً في أولها «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» بالإنجليزية، تيقن أن كل ماتحتها ويليها نصب في نصب، أو تلك الموقعة بـ«يور سيستر إن الله» فأعرف أن كل النجاسة فيها!