بقلم : ناصر الظاهري
متى عرف الإنسان الحب؟ الجواب على هذا السؤال، يمكن أن يعطينا التعاريف المتعددة للحب، ويمكن أن يفسر سر هذا الوجع، وهذا الفرح، وتلك النشوة، وكل هذه الطاقة، يمكنه كذلك أن يدلنا على الحب وأزمانه، فالحب في مقتبل العمر، يختلف عن حب العشرة، يختلف عن حب المصلحة والامتلاك، ويختلف كثيراً عن الحب المرضي، وهكذا.
. يتقلب الحب بتقلب الحياة، وبسير العمر، وبما حمله الإنسان من هذه الحياة وفيها من تجارب، ودموع وشهقات فرح، وبما أثقل كاهله من الآخرين، تتعدد الأسباب والحب ليس واحداً.
الحب الذي يأتي مع تفتح العمر، واكتشاف جغرافية الجسد، والذي يمكن أن يكفي الإنسان منه نظرة ولو من خلف حجاب في بيت الشعر أو من على السطح كمشاغبة بريئة لبنت الجيران، من سماع أغنية لا تعنيه هو نفسه، هذا الحب الفطري والبدائي، والذي يشبه حب الرعاة الصغار حينما يسرحون بالبهم، فلا يريدون أن يكبروا، ولا تكبر البهم. الحب الذي يأتي مع اخضرار الشارب، ونتؤ شعر الوجه، وهذا الحب إما دافع أو قاتل، وهو الذي يبقى في الذاكرة، وقد تسحبه كذكريات من عمر لم تقدر أن تقبض عليه بيديك، فيه تكون العواطف جيّاشة، ويزهر فيه العنفوان والتهور ومحاولة خلق الشجاعة الناقصة، واستعراض للذات والمفاخرة، يمكن لمثل هذا الحب في ذاك العمر أن يطرق أبواباً كثيرة، غير أن باباً واحداً سيصد قلبه، ويبقى معلقاً فيه. حب يأتي مع بداية نضج الشباب، وفيه يحاول الإنسان أن يفسل به نخلاً أو يبذر بذراً أو ينسل فيه نسلاً، وعادة هذا الحب يتبع نهجين، إما يتطور لحب العشرة، ويمكن أن تغذيه الأيام، وقدوم الأبناء، وإما ينحدر نحو منحدر الفراق، وترك الأمور تتداعى كيفما جاءت. حب التعلق، حينما ترى كل أترابك ومجايليك يمرون أمام عينيك، فتشفق عليهم، وتتذكر وطرهم الأول، وزمنهم الذي تصفه بالجميل، ويظهر فيه الأسف على لحظات التردد، وتلك الحسرة الجافة، وخروج الآه من الصدر حارة، وربما عض البعض بنان الندم على حب، ربما سبقه قليلاً أو تأخر هو عليه كثيراً. حب التصابي، وهذا ينتهي قبل نهاية الإنسان، وهو حب مركب على أشياء كثيرة متداعية، وصفته العجلة، وثمة أشياء كثيرة فيه مسكوت عنها، وباتفاق الجميع الضمني. حب موقعه الرأس، وليس القلب، وهذا يتعامل الإنسان فيه بالأرقام لا بالحروف، هو حب جاف حار، وغير ممطر، وعشبه كثمر الحنظل، وليس بأخضر.. ونكمل غداً