بقلم : ناصر الظاهري
أثارني منظر لشاب لا يخلو من طيش وصبيانية، بسيارته ذات الدفع الرباعي، وهو يزمّر فجأة لرجل في السبعين من عمره، كان يمشي في حارة جانبية في موقف السيارات، وكان يبدو ساهياً أو يفكر في معضلات الحياة، مما أفزع شيخوخته، وجعله يجفل حد السقوط على الأرض، كان تصرفاً أرعن، ولا ينم عن ذوق أو لباقة، بتنا نفتقدهما في بعض من النشء الجديد في هذا الوقت العصي على الفهم على أمثالنا.
هذا المنظر جعلني أتذكر كيف هي مسألة زامور السيارات في بعض المدن الصاخبة كمومبي والقاهرة، حيث تعدتا المعدل الطبيعي للضوضاء والبالغة 58- 60 ديسبل (db) بدرجات عالية، وصلت في القاهرة بين 85 - 95 ديسبل، وفي مومبي كل سائقي الأجرة والشاحنات والدراجات والركشا وغيرها يكتبون خلف سياراتهم «هورن بلييز»، في حين بلد مثل سويسرا يمنع منعاً باتاً استعمال زامور السيارة نهاراً، ولو اضطررت أن تنتظر سائقاً سها ولم يلحظ إشارة المرور الخضراء التي أمامه، وبقى واقفاً ولم يحرك سيارته، أما ليلاً فاستعماله كارثة، حتى أن في سويسرا لا تستطيع استعمال مساحات الزجاج الأمامية على غفلة من الناس، ودون استئذانهم، وإذا كانت ضرورية للرؤية فأفعلها في مكان منعزل بعيداً عن سيارات الآخرين.
نحن اليوم، وعندنا، ورغم التحذيرات المرورية، نكثر من استعمال زامور السيارة لشيء يستحق أو لا يستحق: - الإشارة الخضراء بالكاد تفتح عينها أو الإشارة الصفراء تومض في رمقها الأخير، لا يمهلك الذي خلفك، ويبدأ بإطلاق بوق السيارة لتتحرك بسرعة.
- سيارات الأجرة ما أنْ ترى شخصاً واقفاً على الطريق حتى تبدأ بإطلاق زامورها، وإنْ كانت نساء، لا يكتفي السائق بـ «الهورن» بل يظهر رأسه من الشباك الذي على يمينه.
- في منتصف الليل، تقف سيارة في حي سكني، وسائقها يريد من صاحب البقالة أن يخرج ليطلب منه علبة سيجاره لأنه متصَوّع أو علبة عيران لديه حموضة أو أن الزوجة المصون طالبة منه أن يحضر حليباً طازجاً للأولاد، فيزعج الأطفال النائمين، والأهالي الذين على وشك النوم بذلك البوق الذي لن يتوقف حتى يخرج الهندي من مخبأه، ليلبي حاجته، يعني مستعد يزعج الناس، ولا مستعد أن يهز طوله ليمشي خطوتين من السيارة للبقالة.
- نادٍ فاز، نادٍ خسر، والضحية الناس من «هرنات» لن تتوقف ليلتها.
- واحد جاي على باله سندوتشين شاوروما وكوكتيل كبير الساعة 11 وثلث ليلاً، سيطرب سكان العمارات بموسيقى سيارته و«هرنها».
- واحدة رأت زميلتها في الشارع، وتريد أن تحييها، دقت لها «هورن» فترد الثانية على صويحبتها التحية بأحسن منها، فتدق لها كم «هورن» بنغمة «هاي» المميزة!
- سيارات تتوقف عند «أبو محمد للمدوايخ، وصرر الدوخة»، وكل سيارة تطلق «هورنها» بقوة الصوع الذي في صاحبها.
- مرات واحد بس جاء على باله أن يسمع «هورن سيارته» لساكنة في الحي شيمتها الغدر، فيزمر ليطرب أهل الحي كلهم بذلك الصوت المزعج «بِيب.. بِيب»!