بقلم : ناصر الظاهري
أكثر الناس يتوجسون حين المثول عند شباك الشرطي خاتم جوازات السفر، معتقدين بمجملهم أنه عادة ما ينوي الشر تجاه المسافرين، أقلها أنه يمكن أن يعطل المسافر وخاصة «المربوش» منهم، وأنه يمكن أن يسأله بلغة لا يتقنها، فيشك المسافر في جمله المتلاحقة، ولو كان هذا الشرطي السويدي يرحب به في بلده الثاني السويد.
أنا أشد ما توترني النساء، لا الرجال من خاتمي جوازات السفر، يظل الختم في يدها مرفوعاً، ثم تفلّي أوراق الجواز، ثم تقرّب الختم، وتقول: حان الأوان كي تخلصني! لكنها تبقى تطرح أسئلة بشأن أختام دول، لا يخصها بها، ثم ترمقك بتلك النظرة التي لا تنم عن إعجاب، وبعضهن «لو الشور شورهن، ما ختمن الجواز، بس عيازة ونحاسة».
وقبل أيام مررت بشرطي ألماني حقيقي، يعني طول بعرض، بشنب وبجاكيت ضد الرصاص، وأعتقد أن إشارة الصاعقة أو القوات الخاصة التي تستقر على صدره، تزيده عضلاً ومهابة، خاصة أن القميص مفصل بالقد والشبر عليه، فأوجست في نفسي خيفة، أن هذا الشرطي المتجهم طبيعة، قد يعطلني بأسئلة ألمانية يمكن الاستغناء عنها دون أن يتضرر أحد، فلما بادرني بالتحية وبتلك الابتسامة شبه المتخشبة، ارتحت قليلاً، ودخل السرور نفسي، وكسر حاجز الرهبة الذي تصنعه دقائق التوقف بانتظار ختم الدخول أو المغادرة، لأن هذه الأيام الغبراء ليست مثل الأيام الغابرة، جهاز إلكتروني يتلامع، ويمكن أن يدخل لك تهمة من حيث لا تدري، فالأمور مختلطة، ولا تعرف من تصدق: الذي يصلي ويفجر ويفجّر أم الذي يدّعي ويدعو لدعوة جاهلية أم ذلك المتمسكن الذي تأكل الدجاجة عشاءه؟ وبعدها تجدهم يتزاحمون على صفوف قيادة الجماعات وفروعها العنقودية، بحيث لا يعرف أحد عن أحد، وهنا تتشابه الهويات والهيئات، وتختلط الأسماء ما حُمّد منها، وما عُبّد، والهواتف تسرق، والجوازات تُقلّد وتزيف، وتعال عاد اصبر حتى يظهروا اسم أمك المختلف، لأنها الوحيدة التي تشهد ببراءتك، لذا يظهر شعور الرهبة والتخوف والتوجس عند الكثير من الناس أثناء عبور ذلك الخط، والمكوث أمام ذلك الشباك الزجاجي.
المهم هي سحبة واحدة للجواز الأزرق على جهاز التعرف، والقراءة للجوازات بيد ذلك الشرطي الماهر، حتى افتر ثغرة، وصاح بإنجليزية لا أستطيع أن أقول عنها إلا أنها أفضل من إنجليزيتي التي تتراجع من عام لعام: العين، ونحن عاد إذا سمعنا العين، تقول ماخذين الدوري والكاس في موسم واحد، فهزيت رأسي، يغالبني شعور بالأمن، يمازجه كثير من الفخر، وبقي يمدح في العين، وأنه زارها لمدة أسبوع واستمتع بواحات النخيل وكثبان الرمل، ومزايا الفندق وخدماته، وأنا مثل الذي تسقيه عسلاً على الريق، وكان بودّي أن أضيف، لكن الشرطي
العيناوي»، كان مندفعاً، وهو يعبر عن تجربته في زيارة تلك المدينة الهادئة والخضراء، كما وصفها، وأنه قد يأتي يوماً، وكدت أن أتبرع، وأعزمه عزيمة أهل «ذيك الدار»، لكني أحجمت في آخر لحظة، حتى سمعت ذاك الختم يرّن على الجواز الأزرق مع ابتسامة ألمانية مختلفة، تبدو أنها ظلت ترافقني -أو هكذا تهيأ لي- من خلال ذلك الشباك الزجاجي الشفاف.