بقلم : ناصر الظاهري
«لو أنك مصطكّ من الزكام، وعيونك تتهامل، وأنفك يشريك، وعطاس، وجسمك مرتض، وعظامك متبريدة، وعايف عمرك»، وفِي ضيق ما بعده ضيق، والذي عادة ما تصطحبه معها نزلة البرد التي جاءت في غير وقتها، وعليك أن تواصل عملك في غضون تلك المحنة، وتترأس اجتماعاً للموظفين، وهناك خريج جديد، ومتحمس جداً، ويريد أن يشرح الخطة الخمسية بإسهاب، مع توضيح الجداول البيانية، وجدول المقارنات، ويزيدها من عنده ببعض المصطلحات الإنجليزية التي يمكن أن تختصر وقت ذلك الاجتماع، لكنه يصرّ أن يظهر مهاراته غير اللازمة أمامك صبيحة ذلك اليوم.
أو تكون في تلك الحالة الهستيرية، ويمر بك شخص، ويسألك عن عمك، فلكي تختصر عليك وعليه، ولكي لا يفتح لك باباً عن وفاته، وسببها، ومتى، وما يعمل أولاده من بعده، تقول له، مبتسراً الحديث: بخير.. الحمد لله، فيرد عليك مندهشاً: عيل.. قالوا لنا عمك الله يرحمه، توفى من زمان، وما درينا، ولا أحد خبّرنا. فيرجعك إلى نقطة الصفر الهارب منها من ذلك المحتال.
أو ضمن نوبة العطس، المتتالي مثل طلقات «سكتون»، واحد جالس لك بجانب خاصرتك اليمين يشمتك بعد كل عطسة، وأنت ما «يواحي» لك تقول: الحمد لله، إلا ويسبقك: يرحمك الله، وكأنه آت مخصوصاً ليؤزك، ويشد من عضدك، تريده أن يتوقف ليتوقف صليّ رصاص العطس، ولكنه يصرّ على اقتدائه بالسُنّة في تلك المسألة.
أما أكثر ما سيخرجك من ثوبك، وأنت في تلك الحالة من الهيجان، واحمرار الأنف، وصعوبة البلع، أن يمر بك شخص «مدربح» من الذين هيئتهم يراجعون البلدية كثيراً، ولا يملّون، ويمكنه أن يقطع مسافات طوال، لأنه سمع عن أيتام يريدون أن يبيعوا بيتهم الورث، فيطمع برخص الثمن، هذا الشخص يظل يناظر ما أنت فيه، ويظل واقفاً يسألك عن قوانين البناء في «الشامخة»، وما مصير من بنى أربع فيلل وأكثر في أرضه بـ«مدينة خليفة»، ولما البناء في الإمارات الشمالية أرخص من أبوظبي؟ دون أن يسألك هل أنت مهتم بمثل تلك القضايا، وهل تتحمل الوقفة مثل تلك الأسئلة؟ أم هي هزات رأس متتالية تريده أن يحلّ عن رأسك الضجر بتلك الحمى.
أما ما يمكن أن يزيد عليك الحمى، ويمكن أن تصل الأمور إلى التهاب الشعب الهوائية أن يمر بك شخص ليس من معارفك كثيراً، هو مثل وجه الحاجة، يجعلك تنهض من دفء فراشك، لتستقبله مجبراً، وفِي نهاية الأمر يطلب منك سلفاً، وديناً ليس بالكثير، ولا بالقليل، ولا يمكن الاعتذار عنه أو تبرير أنك لا تملك مثقاله، ولكنك تدرك أنه من الدَين الذي لا يرجع، إلا إذا طلع عِينك.
وهناك أشياء يمكنها أن تزيد عطسك، واحتقان أنفك، رؤية ابنتك تشرب مشروباً غازياً بالثلج أو طفلك يتقافز أجرداً إلا من فانيلة بيضاء أو يتخطر حافياً على الرخام أو أن سائقك يدير مكيف السيارة غير سائل عن «سوائلك ومسائلك» أو «يكفخك» رادار بين عطستين متسارعتين!
المصدر : الاتحاد