بقلم : ناصر الظاهري
الْيَوْمَ يبدأ العام الدراسي لأولياء الأمور، فقد انتهت إجازتهم الصيفية، وفرحوا بأولادهم وعطلتهم، واستعدوا للجلوس خلف مقاعد الدراسة جنباً إلى جنب مع أولادهم في مراحلهم المختلفة، فعندنا التعليم للصغار والكبار، وهو أمر تخطته الدول الأوروبية، ودول متقدمة في آسيا، ففي المدرسة التعليم والابتكار وما يخص المنهج، وواجباته، والاختبارات الخاصة به، وحتى الكتب تبقى في خزانة الطالب المدرسية، فلا يذهب بثقل الحقيبة للبيت، ويعود بها مثقلة في الْيَوْمَ التالي للفصل، وفي البيت التربية والراحة ومهارات اجتماعية أخرى، عندنا يتعلم الطالب درسه في المدرسة، ويعاود الأهل تدريسه إياه في المنزل، والهدف النجاح في الامتحانات التحفيظية لا التحفيزية، والخروج من قلق الرسوب طوال العام، وتكبد مصاريف جديدة، ومواجهة التعنيف والازدراء الاجتماعي، وكلها ضغوط على الأهل والطلبة، وأوقاتهم وجهودهم المشتتة، وبُعد عن التحصيل العلمي المدروس، واكتشاف المواهب الواعدة، وإيجاد آفاق للمبرزين منهم.
كلما ابتدأ عام دراسي، وكلما حان وقت الامتحانات، أتذكر حال مصر والأردن، والقلق المتوارث من جيلٍ إلى جيلٍ في فهم العملية التعليمية، وذلك التشنج من قبل الأهالي والمجتمع برمته حيال التحصيل والنجاح، وربما انتقل هذا لمجتمعات عربية أخرى بدرجات متفاوتة، فإن امتحن طالب، وكأن المجتمع يمتحن معه، وإذا رسب لحق العار بالجميع.
كل محاولات التجديد والتحديث في المنظومة التعليمية العربية، تجد عراقيل متجذرة في مجتمعاتنا، وفهماً مغلوطاً من قبل الأفراد، ولعلّ المدرسين هم أنفسهم من هذه العقبات، حيث يصرون على التقليدية، ولا يريدون أن يخرجوا عن النص، رغم كل المدارس التفكيكية، والحداثية في تطور المجتمعات للخروج عن المألوف والمتعارف عليه، وبروز التقانة في حياتنا العملية، لكنها بقيت بعيدة عن حياتنا التعليمية.
حين تتعطل الأسئلة في المدرسة، وتغيب عن الطالب، ويتجاهلها المعلم، ويتهرب منها الأهل، تتعطل النفوس المتعطشة للعلم والمعرفة ومحاولة الفهم، وتشغيل العقل، فيتخرّج لدينا جيل بعد جيل من الحفظة والنقّال، ومتبعي العنعنة.
لا تكفي المباني المدرسية الحديثة إن منعت أسوارها كل شيء جديد، وأعلنت خوفها من كل شيء حديث، فالهدف بناء نفوس كبيرة ومنفتحة ومتسامحة، وتعرف الحب قبل الكره، وتدرك المعنى قبل المبنى، وتسمو بموروثها، ولا تغالي بقدسية الأمور، فأجيال الغد، يجب أن يعدّوا للغد، والعالم الْيَوْمَ أصبح صغيراً، ويعيش في قرية أصغر، وتحت سماء أقرب.
عام دراسي جديد، وليته يكون سعيداً على الجميع وللجميع، بقي أن نبحث لأبنائنا في البيت والمدرسة والمجتمع عن قدوة، وقدوة حسنة، عظيمة بأفعالها، كريمة بأخلاقها، سامية في أهدافها، فالتشبه بالكِرام فلاح.