بقلم : ناصر الظاهري
إيران بين حراك الداخل المتأزم، وصراع الخارج المتورم، يمكن أن يلخصه ما قاله مرة «علي يونسي» مستشار الرئيس الإيراني للشؤون الدينية والأقليات من باب غطرسة التاريخ، وذلك في معرض حديثه عن الإرث الإمبراطوري لفارس، بأن «العراق ليس جزءاً من نفوذنا الثقافي فحسب، بل من هويتنا، وهو عاصمتنا اليوم، وهذا أمر لا يمكن الرجوع عنه؛ لأن العلاقات الجغرافية والثقافية القائمة غير قابلة للإلغاء؛ ولذلك فإما أن نتوافق أو نتقاتل»، ليس من باب الطيش السياسي الذي تستخدمه إيران بين الحين والآخر، وحينما تخلو ميادين القتال التي تلعب فيها، وتكون هناك بمثابة استراحة المحارب، يظهر ديني أو برلماني أو جريدة محسوبة على الحكومة، وتطلق قنبلة انشطارية هنا.
. وهناك، وهو أمر اعتاده العالم، فما عاد الناس يفرقون كثيراً بين جد الحديث، وهزل السياسة، ولا بين ما يتنطع به محاربو الشيطان الأكبر، وهو في بيتهم أو وهم في حضنه، ولكنها الفرص التي أُتيحت لإيران لتلعب دوراً، قد يتجاوزها جغرافياً، فهي اليوم في أماكن كثيرة تعلن الحرب، وتنشئ الكيانات الطائفية، وتتاجر بضمائر المنهزمين، في لبنان، وفي سوريا، وفي اليمن، وفي العراق، وعلى حدود أفغانستان، والجمهوريات الإسلامية «السوفييتية»، توزع أموالها، وكتيباتها، وترسل مبشريها إلى المغرب العربي وموريتانيا وأفريقيا السوداء، وقد لا يخفى على الجميع أن هناك دولتين تتقاسمان الصراع الوهمي في الوطن العربي، هما تركيا وإيران، الصديقتان اللدودتان، وتكاد تكون إيران أنشط رغم «الحصار الناعم» عليها منذ سنوات، لكنها لا تزال تلاعب الدول المتقدمة على الملف النووي، إن هذا التواجد الإيراني في مناطق كثيرة لم يأتِ بعد انتصارات عسكرية إيرانية، ولكنه أتى من بعد هزائم في الداخل، ولعب على المتناقضات الاجتماعية والثقافية، وفساد الضمير الوطني أمام سيل العملات، ولو دققنا في أمور كثيرة بعد ما تولى «الملالي» سلطتهم «الثيوقراطية» نجد أنهم فتحوا جبهات نضالية خارجية، ولن تنتهي بسهولة، لسهولة التباكي أمام الشعب المتخم بالحراك الاجتماعي، ومسألة التغيير السياسي، وطلب الحريات المفقودة على الصعد كافة، والمناداة بالعصرنة، ويروجون إلى أن إيران مظلومة من الأطراف كافة، ولا بد لها أن تنال حقها «التاريخي» واستراتيجية موقعها «الجغرافي»، فهي ما تنفك تدعو بإرث إمبراطوريتها الفارسية البائدة، وهي من الإيجابيات التي تعدها إيران بفتح الجبهات الخارجية النضالية، والحرب بالنيابة، وتجييش الشعب، ومده بأحلام «طوباوية»، وجعله مستعداً لأي مغامرات سياسية يمكن أن تحدث، أو تجر لها إيران بفعل «دولي»، ولا ننسى أن إيران سوق كبير، ومحروم طيلة ثمانية وثلاثين عاماً، فكل الأشياء فيها بحاجة للتجديد والتغيير والاستبدال «الأجنبي»!