بقلم : ناصر الظاهري
لا يختبر الحليم في حلمه، ولا العالم في علمه، لأنه من أبغض الأمور على الإنسان الكريم، أن يصفه جاهل بالبخل، فلا يود أن يحط الكريم من قدره، ويرد عليه بمساوئه التي يريد إلصاقها في الناس بهتاناً، ولا يريد أن يرفع من قدر الجاهل، ويصحح له معلومة لا تستوعبها نفسه الضيقة، ولا رأسه الفارغ، ومن أشد الأمور على الإنسان الشجاع، أن ينعته رعديد بغيض بالجبن والهروب في المواقف، فلا يقدر الشجاع أن يبين شجاعته أمام الرعديد، فينتقص من شجاعته، ولا مضطر أن يقنع شخصاً تقوده البغضاء، ويلوذ بالنساء في المواقف، ومن مثقلات النفس أن يتطاول هرط الرجال على حليم، ويختبر غضبه، ويجرح حلمه، فلا يضع الحليم نفسه موضع الاختبار، ولا يسمح لشخص دونه منزلة ورفعة أن يغير مسار نفسه، واختيار عقله، هكذا هي الأمور..
سواء لدى الأفراد أو الدول، كل يعمل وفق قناعاته ومبادئه في الحياة، والخط الذي ينتهجه، فالفرد يسعى لراحة النفس وسعادتها، والدول تفعل وفق أخلاقياتها ومبادئها الحضارية، لذا لا يضر الإمارات إنْ لم يعترف بما تبذله من أموال ومساعدات، وتسخير إمكانياتها تجاه دول كثيرة قريبة وبعيدة، لأنها لا تريد من ورائه المدح والتطبيل أصلاً، ولا المنة على الصديق أو الشقيق فصلاً، ولكن إنْ لم تشكر فلا تكفر، فلا ينبغي أن ينظر لتصرف دولة تجاه عصبة من الناس، رأت أنهم أضروا بها، وخالفوا نظمها وقوانينها، فيسحب الغوغائيون الكلام كله، ويزبد المتنفعون بأن التصرف ذاته موجه لشعب دولة بأكمله، والإمارات تكون هي أول من وقفت معه في محنته، وأعانته مادياً ودبلوماسياً، وفتحت آفاقاً للتحاور، وتحكيم العقل والمنطق، وتجنيبه الدمار القادم إنْ أصرت الأطراف للنزوع للسلاح والتقاتل والبطش بالمدنيين، فليس من عادة هذا البلد المضياف غير التصرف بحكمة، وحلم، وواقعية، لا يرجو من ذلك غير التعايش بسلام ومحبة واستقرار، له وللصديق والشقيق، وطرق أبواب المستقبل سوية بوسائل حضارية، لا أعرف كيف تصغر المسائل العظام في عقول الصغار، فتحال رماداً بعدما كانت متوهجة،
وكيف تحال الأفكار النبيلة إلى ما يشبه مخلفات الخيل في الطرق المتعرجة الممطرة، سخاء الإمارات غير قابل للطعن فيه، وتسامح الإمارات مع الجميع لا يقبل المساومة، وشجاعة المواقف لا يضرها إنْ نعق ناعق هنا أو هناك، بما تحدثه نفسه الأمارّة بالسوء، وما يشري يديه من روائح ورق «البنكنوت»، والتي تقول هل من مزيد؟ فلا ينقص الحليم قول قوّال من حلمه، وسعة صدره، وكظم غيظه، ولا يضر الشجاع لمعان سيف رعديد من بعيد، ولا تختلط في نفس السخي الجواد الأمور، فإن عقر ناقته فهي قرى للضيف، ومن طرق بابه، ولو جلس على مائدة الكريم اللئيم!