بقلم : ناصر الظاهري
لا أعرف من هو القائل، وأتمنى أن أكون أنا، «إذا ما صلحت البلدية، صلحت المدينة»، وإنْ أصابها ما أصاب بلديات «ترللي.. وفوت علينا بكرا.. ووين حق الحكومة، ومشيّ حالك، وكل شيء بيتضبط، خيّو بصراحة، وألم نشرح، بدك تفتّ شوي»، فتيقن أنها ستصيب المدينة بعطنها، وروائحها المتستر عليها، ولن يقوم مشروع دون أن يحاول البعض، والذين يتكاثرون في لحظة عين، ويتبادلون الأدوار والأماكن في اقتسام ما يتساقط منه أو محاولة تفتيته إلى مشاريع صغيرة منجبة، ولأن البلديات تمتلك أبواباً كثيرة ومتفرقة، ونوافذها مشرعة لمشاريع لا تنتهي، فما أسهل ولوج المنتفعين من داخلها وخارجها، ومثلما هي عادة الحصون المشيدة والقلاع الحصينة، تأتي الخيانة من ضعاف النفوس من حرس الداخل، فيدلّون المتحفزين للنهب على طرقها، ونقاط يمكن اختراقها، والاستفادة من ضعفها، ولأن المدن تتطور وتكبر، وبالتالي تريد هذه المدن أن تكبر بلدياتها، فلا يعقل أن تقفز المدينة للأمام بخطوات طويلة ومثابرة، وبلديتها تعرج وتحاول أن تجرّها للخلف، بدلاً من أن تجاريها إنْ لم تسبقها في التفكير والابتكار والتميز، ومن تجارب بلديات العالم، وجود أفراد فيها، بداية يجربون السرقة بأطراف خارجية، ثم يسرقون بأيدٍ خفيّة، وحينما لا يجدون مراقبة ولا تدقيقاً، يتمادون في السرقة بطريقة رسمية، ومن تجارب بلديات العالم أيضاً، أن أشياء كثيرة يمكن لمثل هؤلاء الأفراد أن يتدخلوا فيها، ويمكن أن يسترزقوا منها، وباستطاعة فرد منها أن يدخل أسواق الخضراوات والفواكه مثلاً، ويعرف اللعبة، ثم بعد فترة يفرد جناحيه على السوق، ويكسب لانتمائه للبلدية، يمكن لأفراد أن يفرضوا إتاوة على صغار الكسّيبة الذين تروعهم البلدية وقوانينها المتغيرة ومفتشوها، مقابل السكوت عما هددوا به من مخالفات، والأمثلة كثيرة على البلديات التي تختص بكل شيء في المدن، ابتداء من الأراضي حتى لافتات المحلات، وبمناسبة لافتات المحلات أسوق مثالاً، يأتي مفتش البلدية فجأة لمحل كبير، ويقول له: أنت مخالف قوانين البلدية، فيرد التاجر هذا محلي من أربعين عاماً، وأجدد رخصي كل سنة، فمن أين جاءت مخالفة القوانين؟ المخالفة أن لك متراً لوضع اللوحة، وأنت سارق تسعة أمتار، ولكن محلي طوله عشرة أمتار، ادفع عن الأمتار الباقية، وكم أدفع؟ 15 ألفاً، دفعنا، وعليك أن توثق اسم محلك، وبكم هذا أيضاً؟ ثمانية آلاف، حاضرين، وعليك أن تصنع لوحة جديدة مرخصة ومتوافقة مع البيئة الخضراء، ولا ينبعث منها كربون، حاضرين يا بلدية، وبعد أن يذهب المفتش البلدي بعشر دقائق، يأتي مصنّع اللوحات وكأنه يتبعه، بقميصه غير المكوي، ويمتدح عمله وفهمه لإجراءات البلدية ومتطلباتها ودهاليزها وتراخيصها، ويطلب عشرين ألفاً، يوافق التاجر لأنه لا يريد وجع رأس مع البلدية، لكن البلدية لا تتركه، ويأتي مفتش آخر، ويطلب من التاجر أن يغير اللافتة «المرخصة» لأنها تخالف قوانين البلدية!
البلديات عناوين المدن المتحضرة، فلا تجعلوا من بلدياتنا بؤراً للاسترزاق، ومحطات للنهب المسكوت عنه، وأماكن للمخالفات الدائمة والمختلفة، ترا.. الرشاوى تضر بالبنية التحتية، والمخالفات تجعل الجسور مائلة، والتقصير يظهر المشاريع متأخرة، وفات وقتها، وأكل المال العام يتعارض مع خدمة المواطن الخاص.. وبرأيكم!