بقلم : ناصر الظاهري
في الزمن غير البعيد، كان الجميع من هواة جمع الطوابع، والمراسلة، وبعضنا يزيد عليها من هواة المطالعة أو جمع المناظر الطبيعية، هذه الهوايات كانت غالبة لدى الرجال، بَعضُنَا ظلت معه يجرجرها لخريف العمر، بَعضُنَا الآخر تخلى عنها أو هي تخلت عنه. نحن هواة جمع الطوابع كنّا نحرص ونتسابق على من تأتيه رسالة من الخارج، ونتسول منه ذلك الطابع المدموغ بالأختام، مكب البريد القديم المصنوع من «البريستي» على زمن الإنجليز، كان مزوداً أساسياً لنا، بعض الطوابع نشتريها، ونصففها في «البوم» خاص، وحسب ترتيب البلدان، وكان من مصادر جمع الطوابع أيضاً التبادل بين الهُواة في الداخل والخارج، لكننا لم نسأل أنفسنا حينها وبعدها، لم كانت هذه الهواية منتشرة؟ ومن نشرها، خاصة ولا جمعيات راعية لها في ذلك الوقت، ربما يرجع السبب إلى أن معظم هواة جمع الطوابع هم من هواة المراسلة، ومن أنصار إما عبد الحليم حافظ أو فريد الأطرش، كنّا نبعث بصورنا الشمسية ذات المقاس الموجودة على جوازات السفر، ونحرص على تلك الابتسامة الفاترة، ونظهر الشعر «الخنافس»، كموضة سائدة حينها إلى المجلات لتظهر في ركن التعارف، ونحرص على أن نكتب «من هواة مراسلة الجنسين»، ولم يكن يومها من وسيلة للتواصل إلا ذاك الصندوق البريدي، وتلك الرسالة المنتظرة، والتي نقرأها أكثر من مرة، ونحرص على سرعة الرد، وتنميق الرسالة بالورود، وبالقلب الجريح وسهم «كيوبيد» الذي يخترقه، إذا كانت الرسالة تخص «هواة مراسلة الجنس الناعم أو اللطيف»، وثمة اعتناء بالخط، وبعضنا لا ينسى أن يشكر على الظرف «ساعي البريد».
كانت هوايات بريئة ومفيدة ومسلية، وفيها من التجمل والمزايدة، خاصة حين نصف لصديق المراسلة تضاريس بلدنا، فعادة من نكسو الجبال بالخضرة، والفلج قد يصبح «نهراً سلسبيلاً»، وهواء السموم يصبح «نسيماً عليلاً»، والنخيل لا بد وأن تكون «باسقات تسرّ الناظرين»، وأول رسالة لزاماً أن تكون مصحوبة ببطاقة بريدية لمنظر طبيعي عن البلد أو «كرت بوستال».
اليوم لا أدري إن كانت لدى الجيل الجديد هوايات مماثلة، وبطرق مختلفة غير تقليدية، أم أن العالم تقارب، وأصبح قرية صغيرة، بفضل وسائل المواصلات والاتصالات والتواصل الذكي والسريع، فما عاد هناك ما يسر القلب، لكي نبحث عنه، ليدخل لنفوسنا شيئاً من البهجة.. تلك مرحلة من الوقت ذهبت بأشيائها، وغادرت بناسها، ولم تعد ثمة رسائل في صناديق البريد، وهجر ساعي البريد مهنته، وحقيبته الجلدية، وامتشق نقّاله مثل الآخرين، واقتصر على «المسجات والتشات»!