تذكرة وحقيبة سفر  2

تذكرة.. وحقيبة سفر - 2

تذكرة.. وحقيبة سفر - 2

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر  2

بقلم - ناصر الظاهري

كانت فرحتي بإنزال الراديو القديم من على السطح المشمس ووضعه في الظل، كفرحتي بوصوله أول مرة، حينما أتى به والدي من الشارقة، وكنت معتقداً أنه خاص بالجيش، فكنت حذراً في التعامل معه، ظل ذاك الراديو يكح، ويجلب ما يخطر على باله من إذاعات، حتى غادرت إلى أبوظبي، واشتريت أول راديو صغير، والذي كان أكثر نشاطاً من ذاك الراديو الذي يشبه سيارة «بيت فرت»، يومها كنت أتابع من خلاله أول مباراة يخوضها منتخب الإمارات مشاركاً في دورة الخليج في الكويت، واعتبرته فأل سعد لأننا فزنا على البحرين، ظل ذاك الراديو الأسود الصغير ملاصقاً لي، أنام على صوت المقرئ محمود الحصري، وأصحو على أغاني فيروز الندية، وفي المساء أنتظر حتى تفتح إذاعة لندن التي عرفتني ببرنامج أدبي شعري اسمه «قول على قول»، وبرنامج يذيع القصص العالمية، وبرنامج موسيقي، ونشرات إخبارية كان يثق فيها الناس، ويصمتون حتى ينتهي من قراءتها ذاك المذيع بصوته الأجش، وهو يتفنن بقوله بعد دقات ساعة «بغ بن»، هنا.. لندن.
في ذلك الحانوت العتيق في المدينة الألمانية، رأيت راديوهات كثيرة مختلفة الأحجام والألوان، ليس منها تلك الراديوهات التي اقتنيتها في الصغر، بقيت متأملاً تلك الرفوف وكأنها تحمل شواهد قبور لرجال طاعنين في السن، قد تمسكوا بالحياة حتى أكلت الرِمّة عصيهم التي يتوكأون عليها، وتذكرت كيف ودعت الراديو الصغير الأسود ذات صيف، واستبدلته براديو «ترانزستور» برتقالي بحجم الكف، كان مثل اللعبة البلاستيكية، ولم أوافق على شرائه حتى سمعت منه عشر إذاعات، فقد كنت أعتقد أن حسب حجم الراديو تخزن في داخله إذاعات، لكنه لم يصمد كثيراً، وتذكرت «رادونا» القديم الذي صَلَته الشمس شهوراً على السطح، ورغم ذاك غنى منذ أن استراح في الظل.
كان الراديو في سيارة أبي رفيقاً لنا ونحن نقطع طريق أبوظبي العين أبوظبي، لكن أبي كان يتعبني بالانتقال بين الإذاعات، ومرات يضعها على إذاعات غير صافية أو إذاعة التقاطها ضعيف، وينساها، وتظل تلك الموجات الصوتية تتضارب مع بعضها أو يبقى يقلب على نشرات الأخبار، ولا يثنيه عن ذلك إلا ظهور أغنية لسميرة توفيق فجأة، وكم يكون متأسفاً إذا ما كانت الأغنية في آخر «كوبليه» لها.
ظلت تأسرني تلك العادة حين أدخل محل «أنتيكات» أبحث أول ما أبحث عن الراديوهات العتيقة، علِّي أجد ما يشبه «رادونا» القديم الذي صَلَته شمس العين حتى كاد أن يهلك، لكنه مع ذلك كان يحتفظ بأغانٍ في صدره، لا يطلقها إلا إذا استراح في الظل.

المصدر :

صحيفة الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر  2 تذكرة وحقيبة سفر  2



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:17 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك ظروف جيدة خلال هذا الشهر

GMT 18:02 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

برابوس تكشف عن "مرسيدس E63 AMG" بقوة 789 حصان

GMT 00:59 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حبوب البن تقي الجسم من أمراض كثيرة

GMT 15:06 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

طُرق بسيطة بشأن تحويل حديقة صغيرة إلى أخرى مُميَّزة

GMT 09:16 2015 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مطاعم مراكش بديكوراتها الجديدة تستضيف العام الجديد 2016

GMT 10:48 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حاكم الشارقة يفتتح أعمال "الاتحاد العربي للنقل الجوي"

GMT 08:22 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

لاعبة ترفض الوقوف حدادا على مارادونا بسبب "أفعاله"

GMT 18:44 2020 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

مصر.. اقتراح قانون في البرلمان لتجريم زواج القاصرات

GMT 14:04 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الرئيس الجزائري يُقيل رئيس "سوناطراك"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates