بقلم : ناصر الظاهري
- من الأمور الحضارية الجديرة بالملاحظة في العاصمة الإندونيسية «جاكرتا» أن يوم الأحد من كل أسبوع مخصص لتكون هذه العاصمة المزدحمة بلا سيارات، يوم تخلو العاصمة من حركتها المرورية، ويخرج الناس «يتريضون» مشياً وجرياً، ويمارسون الرياضة الجماعية، ويمكن أن يبيعوا حاجياتهم غير المرغوبة لآخرين يَرَوْن فيها شيئاً، ويشترون بالمقابل ما يعجبهم في سوق الأحد، أمر جميل أن يشعر المجتمع بخطورة أي ظاهرة، ويتسلح بالوعي من أجل محاربتها، كثيرة هي الدروس التي تأتينا من الشرق الأدنى والأقصى، غير أننا لا نستوعب أكثرها نحن قاطني الشرق الأوسط!
- ثمة تسامح في إندونيسيا لا بد أن يذكر، فهي مثال للدولة الإسلامية الكبرى مساحة، حيث تبلغ قرابة المليوني كيلو متر مربع، وسكاناً، حيث يبلغون نحو 250 مليون نسمة، غالبيتهم العظمى من المسلمين، ومع ذلك ثمة تعايش ديني منذ مئات السنين على هذه الأرض التي تعد أكبر أرخبيل للجزر في العالم، حيث يبلغ عدد جزرها في حدود 18 ألف جزيرة، استقر فيها الهنود والملاويون والصينيون والعرب واليابانيون، وشكلوا حضارة مختلفة ومتنوعة، وسمحوا لنقاط التقاطع بأن تكون مساحة للجميع، وهذا ما جعل شعب إندونيسيا تغلب عليه صفة التسامح والمسالمة وعدم تبني العنف والإقصاء تجاه الآخر، لذا ستجد تلك المجاورة بين المسجد والكنيسة والمعبد، والوجوه هنا لا تشي بدينها أو ملتها، الجميع يحب إندونيسيا!
- من الزيارات التي تستحق العناء والمكابدة زيارة غابات إندونيسيا، رغم طريقها الذي استهلك الذهاب إليه فقط خمس ساعات في السيارة، ومشي أربعة كيلو مترات وسط الغابات، وعبور جسور من الخيزران والأخشاب المعلقة، كل ذلك هان حين وصلت لبقية من أحد سكان إندونيسيا الأصليين «كِينكس» أو «بادوي»، واللفظة من العربية «بدو» في منطقة «بانتن» على ارتفاع ستمائة متر، وهم الْيَوْمَ يبلغون فقط 11 ألف نسمة، حفاة ويأتزرون بإزار وقميص وربطة على الرأس تشبه «الحمدانية» عندنا، ويتسلحون بسكاكين وأدوات حديدية أقرب للخناجر والسيوف، يعيشون في 62 قرية متناثرة، في بيوت مصنوعة من الخيزران، يعملون في الفلاحة، منعزلون، وينقسمون لقسمين «كِينكس الداخل، والخارج»، حيث تفصل بينهم حدود، فالذين اختاروا الخارج أو الخروج من الغابة وهؤلاء يمثلون أقلية، ويعيشون في ثلاث قرى، ويرتدون الأبيض، أما «كِينكس» الداخل فيسكنون داخل الغاب في 59 قرية، ويرتدون الأسود، ولكل عائلة بيت خاص يسمى بيت الرز، وهو منعزل وفِي أعلى الجبل يحفظون فيه محصول الرز، ويكون بعيداً ومؤمناً في حال الحريق أو أي كارثة طبيعية، لا يعرفون الكهرباء ولا التعليم ولا الطبابة، يعتقدون بأرواح أسلافهم، هم بدائيون، لكنهم مسالمون، ما لم يغضبهم أحد، تماماً مثل من سكن الغاب من حيوان أو إنسان!