بقلم : ناصر الظاهري
هناك أناس في معظم الشعوب وظيفتهم في الحياة، أو هكذا ارتضوا لأنفسهم، أن يكونوا حرّاس مرمى المنتخب الوطني، بمعنى الدفاع المستميت عن محليتهم الغارقين في طينها، وغير القادرين على الفكاك منها، فهم دائماً ما يرفعون شعار دورة الألعاب الأولمبية: «الأسرع، الأعلى، الأقوى»، رغم أنهم ليسوا كذلك، لكنهم مثل الذي يناطح صخرة ليوهنها، وما أوهنها وأوهى قرنه الوعل، لذلك يمكن أن يتصيدوا لك في حقل الذُّرة، وأي كلام يمكن أن يفسروه أنهم المقصودون، وأن شررك أصابهم في الصميم.. رغم أن الموضوع يخص الشأن الاقتصادي، يعني أرقاماً، وبيانات، وحسابات ما قبل وما بعد، ولا دخل للكرامة فيه، لا من بعيد، ولا من قريب، لذلك موضوع الأمس عن الغارقين في المحلية، كل شخص أخذ ذاك الطربوش ووضعه على رأسه، معتقداً أنه هو المقصود، وبما أنه أحد حرّاس مرمى المنتخب الوطني، فلا بد وأن يظهر براعته في الدفاع، غير مدرك أن قواعد اللعبة اختلفت، وقوانينها تبدلت، وأن اللعب عقل وحسابات، وأشياء تستند على واقع الحال.
وأتذكر مرة كنّا في ملتقى أدبي وثقافي، وكان الحضور من كل الوطن العربي، وكنا كعرب نبدأ بالسلامات والترحيب، وخلق جو من الود، وبعد يومين من سير الملتقى كتبت مقالاً عن نظرية «البوفيه»، وكان مقالاً هزلياً، من مقالات «تقصير الدُوب»، وأن البوفيه اخترعه العرب في إسبانيا من تلك التوليفة التي كانت تخرج من القصور لفقراء المدينة، فيضعون البواقي من الأكل المتنوع، فظهرت كلمة «باييه» أو البقية، ولأن البوفيه ببلاش، يقوم كثير من الناس بالإكثار منه، فتظهر تلك الصحون الهرمية، ويصبح المطعم ساحة وغى، نزلت صباحاً كعادتي على الفطور، ورأيت كل رئيس وفد ماسكاً بالجريدة، فلم أستغرب لأن معظمهم كتّاب، وصحفيون وروائيون، يعني من النخب العربية الواعية والمثقفة، لكني رأيت تجهماً غير عادي نحوي، وتعرفون أنا أتعامل مع العمود على أنه أمس، بخلاف القرّاء الذين يتعاملون معه على أنه اليوم، وطازج، فمازحتهم، وكنت على وجهي أي بسجيتي: «خير يا إخوان.. إن شاء الله ما أحد مريض من الزملاء من بوفيه الأمس»! أنا قلت: «بوفيه»! وتمترس حرّاس مرمى المنتخب الوطني، كل واحد يذود عن مرمى بلاده، وعن الكرامة التي استبيحت، وإذا بمندوبي ثماني عشرة دولة، يقولون بلسان واحد: «ما استشففت من المقال أنني أنا المقصود بأبي الصحون المالئات زلابيا»!
هؤلاء النخب المثقفة، والتي تتعامل مع الحرف والقلم والقرطاس، ولا يفرقون بين التعميم والتخصيص.. فما بالكم بعامة الناس ودهمائها!