بقلم : ناصر الظاهري
قبل سنة ويزيد قليلاً، حادثني الفنان محمود عبد العزيز يشكرني على كتابتي عنه، وعلى التقاط تفاصيل مهمة في حياته الفنية، ومواقفه الوطنية، وقال: مهم أن أعرف فيما يفكر المتابعون لي ولمَ أقدم، مهم جداً أن يشعروني بأنهم كانوا جزءاً من العمل، بدقيق ملاحظاتهم، والتعرف على مكامن الشخصيات التي أقدمها، لم يخف عليّ أن صوته كان تعباً، فأرجعت السبب، دون أن أسأله للتدخين، وخاصة السيجار في آخر حياته، ولطبيعة محمود عبد العزيز للحياة وألوانها الجميلة، فهو ما زال متعلقاً بها، ويعيشها كما يهواها بالفرح والمرح والتعليق العميق، والأسفار، وما تشتهي النفس.
وفجأة سمعنا أن محمود عبد العزيز عاوده مرض آخر، وأنه طريح الفراش، وأنه على غير عادة ما يهوى، وأنه تعب ومثقل، وقد ينزوي، ذاهباً باتجاه الكآبة، لكن روح محمود عبد العزيز أنقذته من تلك الحالة، وما تفرضه السبعون من أوزار، وأسئلة موجعة للإنسان الواعي والمطلع، والذي لم يرد أن يمر على الحياة دون أن يترك أثراً لأقدامه، وخطوطاً لأصابعه فوق أديمها، والفنان محمود عبد العزيز، واحد من هؤلاء، صقله الاطلاع ودروب الفن وتجاربه الحياتية، كفنان متميز، وإنسان كان لديه ما يقوله، ويفعله، ويؤثر به.
الإعجاب بمحمود عبد العزيز يعود لأول عمل تلفزيوني شاهدته له، وكان في بداية التلفزيون الملون، مسلسل اعتقد اسمه «الدوامة»، بعدها قدم أفلاماً سينمائية تتراوح بين العمل السينمائي الفني والعمل التجاري، حتى قدم فيلم «الكيت كات» متخلياً عن أدوار فتى الشاشة الوسيم الذي ظل يحتكره به «المنتجون المقاولون»، ثم جاءت فترة المخرج عاطف الطيب، حينها كان محمود عبد العزيز نضج فنياً، وتحول من ممثل إلى فنان كبير، له بصمته، وحضوره، وأداؤه التمثيلي الرائع، فكان فيلم «العار»، حيث عرفه الجمهور يومها أنه فنان «كوميدي» بحس آخر للفكاهة، يختلف عن بقية الممثلين الموجودين، وقدم نفسه التي راهن عليها بأنه فنان بدرجة مبدع أو عالمي، بعدها كانت انطلاقته الحقيقية في عالم السينما، فقدم روائع، «البريء»، «الساحر» «أبو كرتونة»، «القبطان»، «البحر بيضحك ليه» و«جري الوحوش»، وغيرها الكثير، لعب فيها شخصيات مختلفة، بصبغة محمود عبد العزيز وحده، وحينما وجد المخرجين الذين يفهمونه، ويرتقون بأدائه ، ويضيفون له بعداً آخر في مسيرته الفنية، عاد بعدها محمود عبد العزيز للتلفزيون، وقدم رائعته «رأفت الهجّان».
محمود عبد العزيز فنان لا يتكرر، كان ضمن عمالقة كبار، عادل بعضهم، وتجاوز بعضهم، لكنه يبقى يشبه حاله.
لك الرحمة أيها الجميل.. ولروحك السكينة، فقد جعلت من تفاصيل بعض حياتنا زاهية، ومختلفة، مثلك تماماً.