بقلم - ناصر الظاهري
وحينما يلمس أصحاب البدل البيضاء في غير وقتها ومكانها تعثر ذلك المربرب، وسمين المال وتعتعته، وأنه بالكاد يعرف غاز الميثول، سيغيرون رأيهم حتماً وبسرعة فائقة، وسيعتقدون أنه ربما من إيران، أو بحر قزوين، أو أقلها من كازاخستان مترامية الأطراف، لكنهم حينما يلمحون غياب تلك الربطة الحريرية المتأنقة بعفاف ظاهر، ومنديلها المزخرف القابع في جيب السترة العلوي، كأي أرستقراطي عتيق، فسيعدونه من أثرياء الروس الجدد الذين ودعوا اللون الأحمر والمنجل والمطرقة، هروباً باتجاه المنفعة الفردية، وعصابات القطاع الفاسد، وسيتوددون له عبر شخص درس يوماً ما في الاتحاد السوفييتي، والآن لا حاجة لمعرفته العميقة، وثقافته الأممية، وحينما يعرفون أنه ليس من تلك المناطق المتشابهة، وأن لا شيء منها فيه غير بقايا ذهب اضطر له لحشو الأسنان الخلفية بناء على نصيحة طبيب تعلم كثيراً، وعانى كثيراً حتى تخرج، ليجد بالكاد له عيادة تقبل به، وتقبل بنصائحه المجانية، يتركونه عرضة للنهب والنصب في مدينة مفتوحة لفئة أقل منهم شأناً، باحثين عن صيد سمين في مناطق مزدحمة باللحوم والشحوم.
اليوم.. لكي تدخل دافوس، تلك المدينة التي تسبب الصداع للكثيرين، على شركتك أن يكون دخلها مليار دولار، وما فوق، وعليك أن تدفع «52 ألف دولار» قيمة العضوية، و«19 ألف دولار» لحضور المؤتمر، وإن كنت من الراغبين المزايدين، وتريد التحدث في المؤتمر، فعليك أن تدفع «250 ألف دولار»، فالحديث ليس ببلاش في دافوس، والكلمة تكلف صاحبها آلاف الدولارات، إذاً لا مجال للثرثرة في دافوس، وكلامك على قد فلوسك، وعليك ألا تستغلي أي زجاجة أو تشك في قدمها وتعتقها، فهنا كل الناس يفهمون، وبالتأكيد يفرقون جيداً بين الخل والعسل، وإذا ما وضعوا قطعة صغيرة من سمك «الرنّة» في صحنك، وعليه معجون بني، وبجانبه حبّة طماطم صغيرة، مثل عين القط في شهر شباط، فلا تسأل، كلّ وأنت صامت، وقل: «أوووه.. سي دليسيو»، ولا تقول: «أووه.. سو يامي.. تراه مب همبرغر»!
كذلك.. على القائمين على المؤتمر أن يروا طيارتك الخاصة، والنفّاثة الجديدة، لا تلك الطائرات أمهات «بنكتين»، مثل طائرات رشّ «الفليت»، هذا غير سكنك الوثير ذي الأجنحة المتعددة، وصفّ السيارات السوداء التي تسبق نزولك سلم الطائرة، ومن خلفك أطقم حراسة مشددة، متزررون ببدل قاتمة، ونظارات سوداء، وحليقو الرؤوس، وفي آذانهم سماعات لا يسمعون إلا بها.. وبعد هذا.. أي فقير سيحب دافوس! وأي فقير سيقتنع بتلك الأحاديث الباردة في قاعات باردة عن حلول اقتصادية تسعد الإنسان، وجل المؤتمرين من سياسيين واقتصاديين في هذه المدينة لن يعلموا الفقير كيف يصطاد سمكة، بل سيقدمون له طبق سمك مجمد، منزوع الفائدة!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن صحيفة الأتحاد