بقلم : ناصر الظاهري
- لا أعرف سر العداء بين المواطنين وزيارة المتاحف، فكيف إذا كان عليهم أن يصفوا في طوابير طويلة، وانتظار وتفتيش، ولا بد أن تمشي على خريطة توضيحية لتستطيع مشاهدة المتحف في وقت منظم، جماعتنا المسافرون إلى أوروبا لو كان المتحف مواجهاً لباب الفندق ما زاروه، ولو ذكرت لهم اسم المتحف التاريخي والعلمي والأنثروبولوجي ثلاث مرات سيغمى عليهم، ولَم أسافر مع أحد، إلا ويكون تحذيرهم الأول: «أسمع من الحين، ترا زيارة المتحف الوطني، ونشّة من الصبح، واكتشاف معالم متحف التاريخ الطبيعي، ترانا مب ربعك، ولا تعرفنا، ونتلاقى في المطعم عقب الظهر».
- مرة بالصدفة كنت مع رجال أعمال مبتدئين أو يطقطقون في السوق، شركة توريد أيد عاملة، على كفالة خمسة محلات، واحد في الصناعية، وحلاق في سوق الشعبية، وخياط في السوق المركزي، ومرات يغيبون بالأيام يقولون في سوق الأسهم، وهكذا، كنت معهم ولا محل لي من الإعراب بينهم، إلا لأن لدي كاميرا مصورين محترفين، ولها عدسة مقربة لاقطة تفزع بعض الوجوه إن رأتها فجأة، فعملت على تصويرهم، ومن ثم جلست أدوّن بعض الملاحظات في محضر الاجتماع.. عن يقيني أن لا أحد سيلتفت لها فيما بعد، كانوا مجتهدين ويحاولون أن يكونوا جديين في هذا الحقل الاقتصادي، لذا تجد أحدهم يفضل أن يقدم نفسه برنّة أنه «بزنس مان»، فتلك المسألة مهمة في، وَيَا المال والأعمال، غير أن علة أن تكون من الخليج، وعدم الوعي الاجتماعي، والبساطة التي تسيّرهم، تجعل الواحد منهم يتصرف كما هو لا يفرق بين جلسة عمل، وجلسة لعب ورقة، لا كرجل أعمال أو مستثمر عليه أن يفهم العالم بطريقة مختلفة، كما ينظر لها رجل الأعمال الأوروبي أو الأميركي، كان رئيس الوفد التجاري الذي استقبلنا بسيطاً، وأول ما نظرت نظرت لساعته من باب الفضول أو لاكتشاف نوع جديد من الساعات لم يمر عليّ، فكانت بلاستيكية وتشبه ساعة طالبات الإعدادية، فخلتها لابنته أولاً، جلسنا على طاولة المباحثات، ولا أحد صبّ لنا فنجان قهوة، وبعد ساعة أشار علينا أن نخدم أنفسنا بأنفسنا، ففي زاوية غرفة الاجتماعات هناك ماكينة تعمل بالأزرار عدة أنواع من القهوة، طبعاً لم يجسر أحد أن يلمسها، إما خوفاً أن لا يعرف يشغّلها أو خجلاً من طابور المجتمعين الذين خلفه أو هي الربكة بكل بساطة، جماعتنا ردوا على رئيس الوفد التجاري ورجال الأعمال، وسكرتيراته خاصة، لأن أحدهم كثيراً ما كان يشير إذا أردتم معرفة سر رجل الأعمال، فتعرّف على سكرتيرته، وحقيقة لا أدري من أين أتى بهذا الفلسفة الناقصة، المهم تعرفون جماعتنا يحبون العزائم، فبادروا رئيس الوفد التجاري بعزيمة في مطعم فاخر جداً، من نجمتين «ميشلين»، رغم أننا نحن الضيوف، وهو رب المنزل، ولأن الجو اختلف عن جو العمل الجاد ولغة الأرقام، هلّ جماعتنا ما في رؤوسهم عن بيوت ضائعة في بيروت، واستثمار مزارع لم يكتمل في سوريا، وشقة يتيمة في البوسنة، وناوين في الصيف على أرمينيا، تضاحكوا، وتجملوا، وانفتح الجو على شيء من الحميمية، وعلى شيء من الصدمة من قبل جماعتنا قوم أرمينيا في الصيف، حين عُدّ رئيس الوفد التجاري ما عنده؛ فيلا في جزيرة النخلة، وأشياء في دبي وأبوظبي، وقصر في جنوب فرنسا وشقة من ثلاثة طوابق في أعلى برج في لندن، إذا بقول لكم أن الجماعة تيبسوا في مكانهم، لكنهم ساعتها صرخوا في وجهي: «خلاص بس تصوير، حرقت وجوهنا بفلاشاتك»، فكتمتها في نفسي، وأنا أعرف أن الغيظ ليس مني ولا عليّ، أعتقد من الفيلا التي في النخلة.. والله أعلم!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد