تعب الصياد وطوى شبكته

تعب "الصياد" وطوى شبكته

تعب "الصياد" وطوى شبكته

 صوت الإمارات -

تعب الصياد وطوى شبكته

بقلم : ناصر الظاهري

حين تُلَوّح العراقة بيدها مستأذنة في الرحيل، فلا تجد في العين دمعاً كافياً، ولا في الصدر كلمات تسعف زائدة، فتكتفي أن تلملم كبرياءها، وتغيب في صمتها بعيداً، تماماً مثل نسر هرم، حين تدركه الشيخوخة الرمادية، ولا تنهض به أجنحته، يطير ذاك الطيران إلى بعيد، وحين يعتلي قمة الجبل لآخر مرة، يحتضن أجنحته الوفية، ويهوي إلى نهاية يحبها، ولا يقدر عليها الكثير.

هكذا ودعتنا أعرق دار نشر عربية، كانت شاهدة على المد العربي، وعلى حروب، وانكسارات، وأوقات من عز ومجد، ودعتنا «دار الصياد» بعد 76 عاماً من العطاء ونشر المعرفة والثقافة، والارتقاء بالمجتمع، محتفية بالمكان وأناسه، وفرح الأيام، هكذا هي الأمور، وهكذا تودع بيروت دائماً أشياءها، ما أسهل التخلي عن التاريخ، قالها «الصياد اللبناني» رمز الوطن، ورمز المهجر، وعنوان أصالة لبنان منذ قديم الفنيق، رافعاً يده ملوحاً بالوداع، ذاهباً في البحر وزرقته، حيث يجب أن تستريح الأشياء الممهورة بالتعب والحب والتفاني والصدق في آخر مستقرها ومستودعها، لقد طوى «الصياد» «شبكته»، وأطفأ «أنواره»، ليستريح مثل «فارس» أعيته الدنيا، وأعيت خيله ذاريات الريح.

حفر الراحل سعيد فريحه مجد هذه الدار في أرض غير رخوة، فمن تعبه تعلم، ومن شقائه تعرف على إنسانيته، ومن صبره وسهره أسال الحبر بين أصابعه ليكتب للإنسان، وعن الإنسان، عن فرحه الدائم الذي ينشد، وعن حزنه الذي لا يريد له إقامة إلا بقدر شهقة الفجأة، لأن في الأفق متسعا، وفي المدى أملا، ووحده الإنسان القادر على القبض على الأشياء بحريته واختياره، وسمو نفسه.

هكذا أرسى للدار الصحفية بكافة مطبوعاتها المتعددة والمختلفة والمتخصصة قواعد الانطلاق من الوطن الصغير إلى الوطن الكبير إلى العالم، فكانت مَعلَماً وعلماً ومُعلِماً، لذا لا عجب أن قصدها الناس في التعرف إلى الأماكن حولها، فهي الأساس في الحازمية، وهي المنطلق، وهي النيشان بذاك الدوّار إن ضل أحد طريقه، مثلما شكل الثلاثي «عصام وبسام وإلهام» بعد وفاة المؤسس في متابعة المسير بتلك الدار، حيث شكلت شخصياتهم المختلفة، والمؤتلفة تكاملية العمل الصحفي المهني، وشبكة من العلاقات العربية والعالمية المتميزة، حلّقت بالدار ومطبوعاتها الأرجاء.

ومثلما تودع بيروت أشياءها الغالية، فقد دفنت صحفها بلا جنازة تليق، فغابت «البيرق» وغادرت «السفير»، وتعثرت «النهار»، وهرمت «الحياة»، وقد لا يكون هناك أمل في «المستقبل» في قادم الأيام، وحدها «الأخبار» ستعلو بصوتها، ناعقة على خرائب الوطن، وبالأمس.. جاءت تلك الدار العريقة حاملة صليب آلامها، معلنة أن أقلامها وأحبارها جفت، وصحفها طويت، ولم يبق غير كبرياء الوداع!
 المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تعب الصياد وطوى شبكته تعب الصياد وطوى شبكته



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 14:45 2017 الأحد ,16 إبريل / نيسان

"الشيكولاتة المكيسكية" أبرز وصفات لويز باركر

GMT 09:19 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

اليابان تبتكر "موبايل" قابل للغسل

GMT 16:02 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

يوسف السركال" القطريون دبروا ما حدث في بانكوك"

GMT 08:27 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

نهيان بن مبارك يفتتح معرض "السوربون أبو ظبي"

GMT 17:09 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

تسريبات تكشّف تفاصيل عن مواصفات "سامسونغ غالاكسي S10"

GMT 14:25 2015 الأحد ,25 كانون الثاني / يناير

الشارقة الدولي للكتاب يشارك في معرض القاهرة

GMT 21:15 2015 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

توم فورد يقدم عطرًا مستوحى من ازدواجية إمرأة

GMT 07:09 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

كتابيه لـ عمرو موسى الأكثر مبيعًا في مهرجان الكويت

GMT 08:23 2013 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

مراسلو الإذاعة في ميادين مصر لرصد الاحتفالات الشعبية

GMT 14:28 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

الوجبات الخفيفة تعزز طاقة الجسم وتحميه من الجوع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates