بقلم : ناصر الظاهري
لا أعتقد أن هناك شعباً من الشعوب تلقى من الهزائم مثلما تلقت الأمة العربية، بالرغم من أنهم لا يحبون الهزيمة، ويبيّتون الثأر، ويمكن أن يضحوا بشيء كبير مقابل شيء صغير، وما حديث حرب البسوس بسبب ناقة جرباء، وعجوز عجفاء، والتي أوقدت حرباً لا تبقي ولا تذر مدة أربعين سنة، إلا مثال في الذهن حاضر، المهم أن لا تغمض للعربي عين، وهو مغبون أو مهزوم، خاصة حين يكون الحق على الأخ وابن العم والصديق والقريب، فهو لا يسامح مثلما يتسامح مع الغريب، لكن سلسلة الهزائم العربية والتي يلونها العربي أحياناً بمصطلحات تخفف من وعورة الجرم، وفداحة الموقف، ولكي يتوازن في الحياة، ولا يشعر بتبعية الذنب، كثرت وتسلسلت منذ الخروج من الأندلس الخصيب، وبكاء عبدالله الصغير ابن عائشة الحرّة مُلكاً مضاعاً لم يحافظ عليه كالرجال، هناك خرجت آهات حسرة العربي الأخيرة، ولن ينفك يزفرها كلما تعثرت به قدم، وكلما صبّت السماء عليه هزائم، لا يشفع لها الدعاء، لقد تداعت الأمم على العرب كما تتداعى الأكلة على قصعتها، ورأوا بأس الأولين والآخرين، وشهدوا الفظائع من الأمور ما شابت له رؤوس الصغار، بدءاً من الخلاف والاختلاف بعد وفاة الرسول الكريم، ورفع السيوف والمصاحف جنباً إلى جنب، والعودة لجاهلية القبيلة والاحتراب، مروراً بتولي الموالي والمماليك سدة الخلافة، وتلاعب الخدم والجواري بتعيين خلفاء ضعاف لأيام وأشهر لتسيير أمور الخلافة العباسية، وهجوم التتار، واستباحة عواصم عربية كدمشق وبغداد، حتى تقاتل ملوك الطوائف في الأندلس، وتسليم مفاتيح عاصمتهم غرناطة صاغرين، وبدء محاكم التفتيش، وانتهاء بخلافة العثمانيين والجهل والتجاهل اللذين أقحموا فيهما طوال ثمانمائة عام، ثم استسلامهم واستلامهم من قوى الاستعمار كميراث للرجل المريض في القسطنطينية.
ذاك جزء من التاريخ والواقع العربي المؤلم، لا شك أن هناك مناطق مضيئة فيه، وفيه رجال متنورون، وفيه وطنيون، وفيه نُبلاء، وشرفاء، مثلما فيه خونة ومنتفعون، ومتخاذلون.
اليوم.. لا نريد وحدة عربية لا يغلبها غلاّب، ولا وحدة عربية من الماء إلى الماء، نريد فقط التنسيق في الأساسيات والضروريات، وما يمكن أن يصل للعظم، فقط أوجدوا مساحة تقاطع اقتصادي، واتركوا السياسة جانباً، لأنه من الصعب أن تسوس العربي وتقوده، لكن يمكنك أن تتفق معه على مصلحة مشتركة، وإلا أمهات الهزائم قادمة، وأمهات المعارك آتية، فقط فكروا كجماعة، وتصرفوا كأفراد، لأن قوة العربي وهمته وبأسه منفرداً عن عشرة رجال، غير أن عشرة رجال من العرب إن اجتمعوا لا يساوون قوة رجل واحد!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد