بقلم : ناصر الظاهري
لقد أرادوا أن يكونوا في مكانة مختلفة في الحياة الدنيا، فكفروا المجتمعات، وأعلنوا البراءة منها، واعتزلوا الناس ليقيموا ما يظنون أنها «يثرب» الجديدة، و«الخلافة» الحديثة، فهل يحق لهم إن ماتوا، وهم يقولون: «استشهدوا» أن يدفنوا في مقابر المسلمين الذين كانوا لا يعترفون بإسلامهم، ولا يقرون إيمانهم، أم أن تنصب لهم مقابر أخرى ليدفنوا فيها وحدهم، كما أرادوا لحياتهم، وفي حياتهم أن يكونوا لوحدهم؟.
هذه المسألة تطرح الآن في ظل تكاثر «شهداء» التفجيرات الإرهابية، والمفخخين لقتل الأبرياء، والداعسين عليهم بشاحناتهم، والمروعين لهم في المساجد، وقد امتنع الكثير من المسلمين عن الصلاة على الإرهابيين القتلى في أوروبا، وبعضهم منعوا من الدفن في مقابر المسلمين، فلم يبق لهم من مكان إلا بعيداً عن أعين الناجين، تستر عليهم بعض معارفهم، ودفنوا سراً إما في البلد الذي قتلوا فيه أناساً أبرياء أو في البلد الذي قدموا منه، إن قبلت دولهم أن تستلم جثثهم ليرتاحوا فيها، بعدما أتعبوها، وروّعوها!
ولأن الشيء بالشيء يذكر، ولا تفعلها إلا تركيا، وريثة الإمبراطورية العثمانية التاريخية، فقد اختارت بقعة جرداء ليدفن فيها من سمتهم الخونة، وكتبت على تلك المقبرة لافتة: «هينلر مزارلجي» أي «مقبرة الخونة»، ليسمحوا بدفن جثة 24 جندياً، ظلت طوال تلك الأيام من دون دفن، ممن شاركوا في الانقلاب الذي أودى بحياة 270 شخصاً، والمقبرة الجديدة اختيرت بعناية لتكون بالقرب من مأوى الحيوانات الضالة، وبلا شواهد، خاصة بعد رفض كثير من الأهل تسلم جثث أبنائهم، هو أمر يخالف عرف المجتمع التركي الذي يولي عناية خاصة بالمقابر، وتزيينها، وكتابة الشواهد، وتعميرها، لتصبح مزاراً للأهل، والراغبين في قراءة القرآن على موتاهم، في حالة القتلى الانقلابيين، فإن قبورهم ممنوعة من الزيارة، ومطوقة أمنياً، ونقلت وسائل الإعلام التركية عن رئيس بلدية إسطنبول «قادر طوباس»، أن فكرة إقامة «مقبرة للخونة» طرحت خلال اجتماع للمجلس البلدي، مضيفاً «أولئك الذين يخونون بلادهم لا يمكنهم أن يرقدوا بسلام في قبورهم»، وقالت هيئة «ديانة» للشؤون الدينية بعد الانقلاب، انها منعت تنظيم الجنازات، والصلاة على الجنود القتلى الانقلابيين، معتبرة أنهم «داسوا على قانون أمة بأسرها»، «وأنهم لا يستحقون الترحم والصلاة عليهم»!
وهو أمر يلاقي تعارضاً، واحتجاجاً من قبل فئات مختلفة من الأتراك الذين يرون أن «مقبرة الخونة» ستمتلئ في تركيا، وعليها أن تضم رفات الجنرال «كنعان إيفرين» وزمرته، والذي توفي العام المنصرم بعد الحكم عليه بالسجن المؤبد، والذي قاد انقلاب عام 1980 المروع!