بقلم : ناصر الظاهري
الدخول للبرازيل ومجتمعها كالدخول في كرنفال «ريو دي جانيرو» حيث عليك الانصهار في هذا العرس الجماعي رقصاً وموسيقى وصخباً وتنوعاً في الأعراق والأجناس والألوان واللغات، لم تغب عني هذه الفكرة وأنا أخطو الخطوات الأولى في هذه القارة التي يتأخر المرء في اكتشافها، فيندم على ذلك بأثر رجعي، لأن هذه المساحة الجغرافية الشاسعة يمكنها أن تستوعب، كما استوعبت على مر السنين هجرات شعوب مختلفة من مناطق متباعدة لم يثنها ذاك المحيط الأزرق، ولا ذلك البعد الممتد كرأس رمح في قارة أميركا الجنوبية الغاربة في أفق الشمس، اليوم هنا يعيش أكثر من مائتي مليون نسمة يشكل البيض الغالبية الكبرى، لا كما يعتقد الكثير أن السمر والسود والخلاسيين أو البني «باردو» أو البني الغامق «مورينو» والسكان الأصليين من الهنود الحمر والأفارقة، هم الكثرة الغالبية، بل إنهم في مجموعهم أقلية قياساً بتواجد العرق الأبيض الأوروبي الطاغي، والبرتغالي والإسباني بالذات، حيث لا يزيدون على العشرة في المائة، رغم أن البرازيل فتحت أبواب الهجرة لستين دولة مختلفة من بقاع العالم، الدين الغالب في البرازيل المسيحية «الكاثوليك» يليهم «البروتستانت»، أما اليهودية والإسلام والديانات الأخرى فلا تشكل في عمومها عشرة في المائة بحد أقصى.
اكتشف البرتغاليون البرازيل على يد المستكشف «بيدرو الفاريس كابرال» عام 1500، وبقيت مستعمرة حتى 1815م، ثم تحولت إلى مملكة ضمت إلى امبراطورية البرتغال والغرب المتحدة، وفي عام 1808 حينما احتل نابليون البرتغال نقلت العاصمة من «لشبونة» إلى «ريو دي جانيرو»، وفي عام1822م نالت البرازيل استقلالها التام تحت حكم ملكي دستوري حتى عام 1889 حين أصبحت البرازيل جمهورية بعد الانقلاب العسكري.
هنا في البرازيل ثمة أشياء صادمة تجعل الغريب يتوقف قليلاً، مغيراً بعض القناعات القابعة في الذاكرة دون تمحيص، وكان يعتقدها من المسلمات، كأن يكتشف أن اللغة الرسمية فيها ليست اللغة البرازيلية، ولكنها البرتغالية، وأن عملتهم الريال، وهو يساوي الدرهم قيمة تقريباً، وأن لا ثقافة محددة تخص الموطن الأصلي البرازيل، كلها إما خليط أو بتأثير أو تكونت بفعل عوامل مجتمعة، وأن عاصمتهم ليست المدينة الكبيرة «ساوباولو»، ولا المدينة الجميلة «ريو دي جانيرو»، وإنما مدينة إدارية، يكاد لا يسمع بها أحد، رغم أنها من المدن السياحية المهمة، هي «برازيليا» التي أنشئت عام 1960م، وهي عاصمة المقاطعة الفيدرالية، حيث إن البرازيل إضافة لتلك المقاطعة تتكون من ست وعشرين ولاية، فيها مدن متنوعة، ومختلفة، وبها أماكن ساحرة، لذا قد تتملك الزائر الحيرة بأي المدن يبدأ، فكل واحدة لها عطرها ولها حياتها وأجواؤها، تتمنى لو أنك قادر أن تجعلها كلها رهن قبضة اليد لكي لا تفوتك تفاصيلها، ولا تتعب قدمك.
المصدر : جريدة الاتحاد
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع