بقلم : ناصر الظاهري
لا شك أن للمعلم معزّة وتقديراً وهيبة أيام جيل الطيبين أكثر من هذه الأيام، فقد تعلمنا أن نقوم له احتراماً وتبجيلاً كلما دخل علينا الصف، وكانت له هيبة بحيث لو رأيناه في أماكن غير المدرسة لا نقدر رفع النظر إليه، ونتحاشى الطريق التي يسلكها، كان المعلم قاسياً على جيل الطيبين، ولكنهم اليوم أكثر إخلاصاً لهم، ويذكرونهم بالخير ويصلونهم، في حين تبدو العلاقة بين جيل اليوم ومدرسيهم علاقة تنتهي بانتهاء العام الدراسي، أو بانتهاء تلك المساحة المنفعية بينهم، معلمو وملهمو الجيل القديم لا يتنازل أحدهم أن يطلب من تلميذه خدمة أو منفعة، لكيلا تحسب عليه، ولا يقدر أن يرفع عينيه في وجه تلميذه، تغيرت الحياة، وفقدنا كثيراً من القيم التربوية، سواء من جانب المعلمين الذين أصبحوا مدرسين، أو من جانب التلاميذ الذين تحولوا إلى طلبة.
وقد عجبت من بداية الدراسة في فرنسا، بعدما تشبعت وشبعت من أساتذتنا الأردنيين والبحرينيين والفلسطينيين، ومن ثم المصريين، وذاك التعليم الصارم، والتربية الخشنة، والصوت العالي، فكنت أقف حين تدخل المُدَرِسة، وأشعر بالخجل لعدم اكتراث طالبات وطلاب الصف بدخولها، حتى رأيت العجب بعد ذلك، أنا الذي لم أتعود أن يسمع المعلم صوتنا إلا أثناء الإجابة وعلى قدرها، رأيت طالباً يمضغ لباناً، ويشرب «كولا» أمام المعلم، ورأيت طالبة تضع رجلها على الطاولة أثناء شرح المدرسة، وغيرها من المهازل، أما حين رأيت ذلك البيت الزجاجي الذي يعمل بالعملة المعدنية، والذي يشبه ما تضعه شركات المشروبات الغازية وقطع الشوكولاتة والسجائر في أركان المرافق العامة، هكذا كنت أعتقد في البداية، فهذه مدرسة فرنسية عالية ومحترمة، ولَم أكن يومها أدرك الفروق الكبيرة بين الثقافات، وفي يوم اقتربت من ذلك الكشك الزجاجي، دافعاً خمسة فرنكات لأخذ علبة مشروب غازي، فإذا بي أرى مواد مطاطية وبلاستيكية لحماية الطلبة والطالبات، وفي ساحة المدرسة، فتذكرت مقولة مدرسيّ الفلسطيني العتيد: «أمش وَلَكّ بلا قلة حياء، شاب هامل»!
في يوم المعلم، لا بد وأن أذكر وأتذكر كل معلمي الذين شاغلوا الرأس، وشاغبوه، صانعين شيئاً جميلاً فيه، يومها ربما لم أكن أدركه، لكن اليوم لأشد ما أقدره، وأشكرهم عليه، تحية لكل من مر في حياتي وأثناء دراستي غير الجامعية، زهير الكندي، المطوِّعة كنّه، سالم العُماني، زهير أبو الأديب، يوسف الأنصاري، علي المالود، خليفة العريفي، علي غزال، محمد الشايجي، خليل خريسات، سامي قبلاوي، محمود الضميري، فايز محمد، محمد عكور، ربحي حطبة، عامر البياتي، أحمد ماهر، عدنان عون، وليد منجد، خميس الموسى، مبارك العُماني، فؤاد البرازي، عبدالله القوصي، محمد العبادي، فتحي العالم، أحمد الجندي، محمد بطاينه، حمزة المصري، أحمد المصري، عبدالمنعم الأردني، سعيد عبدالله الجنيبي، ناصر البلال، سعد اللبناني، محمود المصري، عوض الفلسطيني، زهير شبيطة، عبد الحميد الشوملي، عبد اللطيف التوم، عبد المنعم الرفاعي، عبد العظيم محمد، فاروق محمد، محمود خنجي، وغيرهم.. إن نسيت.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد