بقلم : ناصر الظاهري
* بعض الأمور لا تحدث إلا مرة واحدة، وحين تحدث تجد النفس المطمئنة تنشد الريح والمطر والفرح وبهجة اللون الأخضر، وآي الحمد، وكم هي قريبة السماء.
* بعض الأمور لا تحدث إلا مرة واحدة، مثلما تغشى القلب فجأة سحابة من الرحمة بيضاء، كأن ترى صغيرتك، وهي تتأبط حقيبتها الوردية في أول حبوها نحو الأبجدية، ووهج الحرف والقلم وما يدرسون.
* بعض الأمور لا تحدث إلا مرة واحدة، مثلما مطر من خير، حين ترى وحيدتك وهي تختال بثوب عرسها الأبيض، تتحاشى عينيك بدمعهما البارد، وتشعرك بخجلها لأول مرة، وأنت تخاف عليها كعادتك على الصغيرة التي كبرت أن لا تجد في البيت الجديد رجلاً يظلها بظل مثل ظلك.
* بعض الأمور لا تحدث إلا مرة واحدة، مثلما تسري في البدن قشعريرة الرضا، كأن ترى بكرك، وهو يرتدي ثوب رجولته، ويزاحمك بكتفه الذي طال، وطاول الرجال، وتسمع اسمه، وكأنك لأول مرة تسمع اسمه، محفوفاً بشهادة تفوقه ونجاحه، وقربه من السفر باتجاه الحياة.
* بعض الأمور لا تحدث إلا مرة واحدة، مثلما هي قطرة الماء البارد في الجوف العطش، حينما تشعر بطعم سكر رضاب الأطفال، وهم يتعربشون برقبتك، ويحدثون ذلك الصفير بمعرفة كلمة ماما وبابا، فتتحول أركان القلب، والبيت إلى شيء يشبه البهجة التي لا تزول.
* بعض الأمور لا تحدث إلا مرة واحدة، مثلما هي العافية، حين يطرق باب قلبك طارق أو بشارة بأن حفيداً لك نزل يلبط، وقد يتدثر باسمك، وفيه من محياك، فتبيضّ عيناك من دمع الشكر.
* بعض الأمور لا تحدث إلا مرة واحدة، مثلما هي السكينة والصلاة، حين تتكحل عيناك بفجر مكة، وبعطر كلمات ألم نشرح أو تتسلل لصبحك شمس المدينة المنورة، ناثرة الطَلّ والغبش، وشيئاً من مسك رسول كريم، علّم الدنيا السماحة والطُهر.
* بعض الأمور لا تحدث إلا مرة واحدة، مثلما هي مواعيد الرجاء، كأن تمر على عود يابس، فيثلم قلبك، وتتمنى لو تقيم عنده تسقيه، لكنك تمضي، وبعد حين تردك الحياة، فتجد الحياة في ذلك العود، فلا يتوقف نشيد القلب الذي غدا بلون أخضر ريّان.
* بعض الأمور لا تحدث إلا مرة واحدة، وحين تحدث، تظل حديث النفس، وتظل من مسعفات الأمور حين تتزلزل الثوابت، وحين تميد الأرض تحت الأقدام، نعيش لنتذكرها، ونتذكرها لنعيش.. محظوظون أولئك الذين يصادفون في حياتهم تلك الأشياء التي لا تحدث إلا مرة واحدة!