بقلم : ناصر الظاهري
وجه السياسي يشبه وجه مدرس الرياضيات بتلك الأرقام وجذرها التكعيبي التي لا نفهمها كثيراً، ولا نعرف دورها في الحياة، والناقص عندنا أخو الزائد، ووجه الرياضي يشبه حال ذلك المدرس الشاب عادة، والمحبوب من الجميع، والذي يخرجنا من محيط الفصل واللوحة السوداء والطباشير إلى فناء وساحة المدرسة حيث اللعب والضحك والانطلاق، ويمكن مع الأيام أن يتحول لصديق مع الجميع.
هكذا قدمت تلك السيدة الشقراء، رئيس كرواتيا نفسها للعالم، وكاميراته، فتقبل وجهها الرياضي، وغطى على وجهها السياسي، وأراد تصديره ولو في آفاق الخيال إلى سماء بلدانه وسياسييه الذين يتمناهم أن يظهروا له - ولو في الصور - بتلك الروح الرياضية الحانية، كاسرين حاجز السلطة الرابع، وقريبين منه، وَمِمَّا يفعل في الحياة من إنجاز، يُجَيّر في الغالب لحساب السياسي متربحاً على ظهر المواطن العادي.
لما لم يتغن بأمجاد «كوليندا غرابار كيتاروفيتش» في الأوساط الأوروبية، وبين المواطنين الأوروبيين؟ لأن ما عندها، وما قدمته من وجه رياضي على الوجه السياسي موجود عندهم، ويمارس بين ظهرانيهم، فوزير المالية عندهم يمكن في عز الأزمة الاقتصادية أن يمتطي دراجته الهوائية ويذهب لعمله بتلك الحقيبة الوزارية الجلدية، يمكن أن يصادفوا وزيرة الشؤون الاجتماعية في المواصلات العامة أو يلمحوا «ميركل» التي تهز ألمانيا تتبضع في الجمعية، ولا أحد يعينها على حمل مشترواتها، ولقد فعلها مرة مهاجر عربي إلى السويد حينما رأى ملكها يتسوق بنفسه، فكاد أن يغمى على العربي المهاجر للتو، لأنه ما ألف هذا يحدث في بلده الأصلي، فعرض خدماته بأن يوصل مشتريات الملك مجاناً، فشكره الملك بلطف، لكن العربي أصر، وكاد أن يحلف بالطلاق من امرأته بالثلاثة، بأن يوصل الأغراض إلى القصر الملكي، الملك فهمها بأنها مضايقة تستدعي تدخل القانون، لأن عليه أن يجر عربة تسوقه لوحده، المهاجر العربي فهمها أنها واجب ولازم أن يحمل المواطن أغراض الملك، كما يحدث في الدنيا، فالشعب دوماً في خدمة الزعيم.
لذا وقف أفراد الشعوب المستضعفة وراء تلك الصورة الجميلة والزاهية لأيقونة كأس العالم السياسية الرياضية الكرواتية، وأحبوها عن بُعد بعواطفهم الجيّاشة كالعادة، ووقفوا معها ومع فريقها حتى صافرة النهاية، ولَم يصدقوا ما تقوله التقارير، فخلقوا قصصاً حولها، كما يحدث في القص والسرد الشعبي للشخصيات المحبوبة، لأنهم كانوا فرحين بالصورة التي صنعوها، وزينوها، وغدت متجلية أمامهم كحلم لوجه سياسي جميل، واعداً بالخير، يختلف عن وجه مدرس الرياضيات بمعادلاتها الناقصة والمعقدة والتي تصعّب عليهم أمور الحياة!
المصدر : جريدة الاتحاد
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع