بقلم : ناصر الظاهري
للغالية اعتذار ناقص في عيدها، واعتذار منقوص لمثيلاتها.. اعتذار لا يكفيهن أمهات من برد وسلام على نفوسنا، من دفء وحب على أرواحنا، نحن الأشقياء بحبهن، المقصرين في حقهن، لهن اعتذار مفرد بصيغة الجمع، اعتذار ليتها تقبله عن ومن أولئك الذين يضايقون قلبها، ولا يعرفون كم يتسع لخطاياهم، تكفّر عن ذنوبهم بدموعها المتوارية، ولا تحمل شيئاً في قلبها، اعتذار عن ومن أولئك الذين يزعجون وقتها في مقعدها الخريفي، ولا يعرفون قدسية صمتها، وأنها وإن تعبت، فلا تتعب من الحب، اعتذار عن ومن أولئك الذين لا يفهمون تمتمتها وهمسها وهمهمتها ساعة انقباض قلبها، ولا يطبعون قبلة تسكن على جبهتها، ورأسها تاج الرؤوس، اعتذار عن ومن أولئك الذين ينسون أن تمر جمعتهم دون أن تتعفر وجوههم من تربة عتبة بابها، لا يطعمون من غدائها، ولا يتدخنون من بخورها، ولا يفرحون بما تصرّه لهم، كعادتها منذ الصغر، ولا تخرّ دمعتهم لسماع كلمتها المعتادة.. الغالي!
للغاليات.. اعتذار من ورد، ومن دعاء في عيدهن، ليته يعود ويعود، ولا يشكين بأساً، ولا تحوجهن الأيام، ولا يشقى بالهن، ما دام ذاك الذي يرقص في قفص الصدر، مازال من الصالحين.
لأم في فلسطين كفنت طفلها، ولم تنس زغردة الشهادة، لأم في العراق شقت جيبها عليه، واستترت بالسواد، لأم في الشمال المغاربي انحرق قلبها حين «حرق» بكرها البحر باتجاه سنوات من المجهول والانتظار، لأم في الدار غيّبت الزوجة عنها «نظرها» وعن شوفة «بعد نظرها»، لأمهات قدمّن الشهيد تلو الشهيد من أجل أن تكون الأوطان طاهرة، لأم ماكثة على الحب والصبر في بلدان تدفع أبناءها وبناتها لهجرة طلباً لمتسع من الرزق، ولا يرونها إلا من صيف لصيف، للغاليات في كل مكان اللواتي لا يتصبّحن برائحة الأبناء مع أول فنجان قهوتهن اعتذار تلوه اعتذار.
للغاليات الغائبات.. لكن حضور لا يغيب، وإن غاب حضر اليوم بكل معنى التذكُّر، ومعنى الغياب، فما زالت تلك الغرفة المسكونة بالبسملة، ومسك الصلاة، وعطر السجادة يجول فيها ظلك، وما زال سريرك بارداً كما هو إلا منك، وما زال المنزل يسمع صوتك وأنت تتحدثين مع إحدى الجارات، ويردد نداءك على الأحفاد، ويسمع بوجع حين قلتِ: الآه آخر مرة، وغبت!
للغالية «أم الإمارات»، والغالية أم «الشهيد»، والغالية أم «ناصر»، والغاليات الساكنات جهة الشمال، في عيدكن كل الاعتذارات لا تكفيكنّ، لكنها ليتها ترضيكنّ!