بقلم : ناصر الظاهري
خلف مآسي الطائرات المتحطمة تكمن قصص، وحكايات كانت تنسج قبل الإقلاع، وبعد الكوارث المفاجئة تبدأ تلك القصص والحكايات بوجعها الإنساني، وألمها الذي تتبعه دموع لا تجف إلا مع النسيان، وحركة الزمن الكفيلة بتضميد الجروح مهما كانت غائرة في النفس البشرية، لا توقظها إلا الذكرى، والحنين الذي يأتي بلا استئذان، ثمة حكايات أحياناً تكون كرجم بالغيب، ولا تصدق، ولكنها تحدث، فلا نمتلك إلا تلك الدهشة، وذاك السبب الذي نرجعه عادة إلى الصدفة الغريبة، حادثة طائرة «فلاي دبي»
الأخيرة، حملت بعض الحكايات، كانت يمكن أن تكون عادية، لولا الحادثة غير المتوقعة، جعلت منها مآسي إنسانية، فزوجان شابان من مدينة «كيرلا» أتيا من موسكو حيث يعمل الزوج، ليقضيا إجازتهما عند الأهل، ولتنطفئ قصة حبهما في لمحة عين، بعد أن ودعا أهلهما الوداع الأخير، وقائد الطائرة القبرصي، يخلف أرملة شابة، وحامل بطفل لن تراه عيناه، وثمة قصص حب تعطلت بتحطم الطائرة، والقلوب الصابرة، ثمة مواعيد للقيا، ضاعت، وسيطول الانتظار، أما وجع الأطفال، وغياب قرّة العين، فهذا يدمي الحجر الصوان.
في حوادث الطائرات كثيرة هي القصص، مثل عجوزين نجا الزوج، وتوفيت الزوجة نتيجة سقوط الطائرة، لكنه لم يقدر أن يعيش وحيداً، وبعيداً عنها، فتبعها بعد أيام من الحزن، وفريق رياضي يلقى حتفه في حادث تحطم طائرة، وينجو بعض اللاعبين ممن هم في دكة الاحتياط، مرات يتنازل شخص عن مقعده لشخص مضطر، فينجو المتنازل، ويرحل المسافر العجول، أما أكثر القصص إيلاماً فهو فناء عائلة بأكملها عن بكرة أبيها في حادث لم يكن على البال، لذا كثير من المتشائمين تجدهم لا يحبذون السفر جميعاً على طائرة واحدة، مثل ما يفعل الممثل «برادبيت وزوجته أنجلينا» وأولادهما الحقيقيون والمتبنون، وهناك قصص تحملها أجنحة الصدفة، كأن يفوت المسافر طائرته، ويركب أخرى، وينزل في بلد «ترانزيت»، ثم يستقل تلك الطائرة المنكوبة التي تنتظره، أو يهم زوجان بركوب الطائرة إلى جزر الـ«باهاما»، لقضاء إجازة ممتعة، فيتشاجران في المطار، وتصل الأمور عند أبغض الحلال، فيسب أحدهما الآخر، ويتلاعنان، ثم يمضي كل إلى طريقة بعد أن ألغيا تلك الرحلة المحسوبة، والمحجوزة مسبقاً، فيسمعان خبر تحطم الطائرة المتجهة للـ«باهاما»، ليجتمع شملهما من جديد، وبحب مختلف، أما مثل الفرنسي، وحظه، فلا يوجد، لقد عمل حادثاً بسيارته، وهو متوجهاً للمطار، فنجا، ثم ضمد جراحه في نفس اليوم، ليحلق بالطائرة التالية، والتي سقطت، فمات من عليها، وكان هو الناجي الوحيد!