بقلم : ناصر الظاهري
في بداية الأمر كانوا يتذمرون منه، ومع العِشرة، أصبح مزحة كل يوم، نذهب إلى العشاء الجماعي، فيتشكى من كل صحن، ويغضب من زوجته، وكأنها هي التي حضّرت الأكل، تظل رجلاه تختضان طوال السهرة، ثم يبكي مثل طفل صغير في حضنها، حاولت بعض النسوة والعجائز الفضوليات أن يسألن زوجته عن مصيبته، فلم تجب، إلا أنه لن يتعرّض بالسوء لأي شخص، فهو مسالم وطيّب، لكنه شخصية مضطربة، وتحاول أن تعالجه بشتى السبل، كان يلتقط لنا الصور، ويطلب من زوجته أن تصوره مع المجموعة، يتحدث فتقول: إنه يمسك بطرف الفلسفة والحكمة، وحين تنصت لحديثه باهتمام، يقلب الأمر، ويتشتت الموضوع، وتضيع القصة، كان يدخن بشراهة، يضحك للنكتة، لكنه ضحك يطول حتى يفسد على المتحدث حديثه، عرفنا سر تلك الأصابع الأنثوية التي تهدّيه بسرعة، وأحياناً تنوّمه، طوال الرحلة كان طيبّاً مع كل الناس، ما عدا ذلك الوغد الذي كان ينظر لزوجته بعينين غير مريحتين، والذي استطاع أن يلمح منهما، تلك النظرة الفاسدة، والذي كثيراً ما كان ينفث فيهما دخان سيجارته التي يدخنها بشراهة وتوتر!
من الشخصيات القلقة والمرضية في رحلة أخرى، باكستاني، كان يريد أن يصدّر للناس أنه عنيف دون مبرر، وأنه قوي في الوقت نفسه، يذكّرك بـ «بهلوانات السيرك الشعبي المتنقل»، ويثير توتر كثير منا، وهو يتمطق بالأكل، بذاك الصوت غير الشبع دائماً، وقد حاول التجشؤ مرة، فقتلته عيون الآخرين، فكتمها برعب، ما كان يستفزّنا رجالاً ونساء، معاملته لتلك الآدمية الجميلة التي كانت معه، وتمشي خلفه، كان لئيماً، بحيث يمكن أن يشتري «آيسكريم» له وحده، ويجعلها مكتفية بزجاجة الماء التي سخنت في يدها، وكان يتعبها ما يفعل الأزواج الأوروبيون مع نسائهم، ربما النساء الباكستانيات أكثر النسوة ظلماً، وتعاسة، وتعرضاً للمهانة من قبول الفحول؟ يمكن أن تكون جميلة الجميلات، ويسكّنها في «صندقة من الجينكو» أو يجعلها ماكينة للتفريخ بصمت، وللعذاب المنزلي، ولذلك التقتير الذي يؤدي للخيانة، وهذا ما أكدته تلك الآدمية الجميلة، ويمكن أن يكون أسمها «نرجس»، وابنة لإقطاعي كبير، لأن محاولة التقرب منها، وسؤالها عن أسمها، ولو من قبل المسافرات، يمكن أن يعرضها لغضب ومناكفات رجل ناقص، لذا كانت تلوذ بالصمت الخجول، فتتورد، وتشعر بسخونة صدغها من بعيد، الجميلة، و«البهلوان» الباكستاني الوحش، تجلت لبعضنا قصتهما، حين سبّته بالأوردو مرة، وأغلظت، وقالت له: أن أباها توَعّده الموت، وأمر رجاله بحَزّ عنقه في الطريق، فيبست عيناه فجأة!