ناصر الظاهري
- أن يطبع أحد ما.. كلمة حلوة على أول نهارك.. فيترطب يومك كله بالخير والمحبة.
- أن يتبعك دعاء أم إلى عتبة الباب، فتشعر أن الطرق كلها سالكة، وأن أجنحة الملائكة تظللك، تهاديك على الهدى، تدفع الشر عنك، وترمي البلاء.
- أن يتقافز أمام عينيك ذلك الصبي الذي يشبهك ويشبه أخواله، يفرّح قلبك، ويسحبك إلى طفولتك التي مرت هكذا.. كسحابة مسرعة، غادية.
- أن تفتح نافذة قلبك تلك الصبية التي تشبه أمها وعمتك التي لم ترها، تشاغبك بضحكتها وبضفيرة شعرها، وبذينك السنين الصغيرين البارزين في الأمام لوحدهما، والسن الصغير المقلوع الذي تداريه بمخمل يدها، وبارد كفها.
- أن تكون جيوبك عامرة، وتجد محتاجة غلبها الزمن، فلا تفكر إلا أن تغطيها بالإحسان وبالستر، وبما أعطاك الله.
- أن يغيب عن عينك صديق صدوق، فتحس فجأة أن اللقمة كانت معه أشهى، وأن الضحكة كانت معه لها معنى، وأن غيابه طال، والكذب من حولك استشرى.. تظل تنتظر حضوره أو تنتظر البشرى.
- أن ترى رجلاً من زمن الصدق ووطر الناس الأولين، معتزاً بأشيائه، وغير آسف على السنين، تراه.. فيملؤك هيبة وصدقاً ونبلاً، ويذكّرك بعطر الرجال الأقدمين.
- أن ترتوي مدينتك التي تحب بقطرات من ماء، كهبة آتية من جرح الأرض، أو تبتل بخيط من فضة، منزّل من السماء.
-أن يأتي عصفور صغير يشاغب فجرك، يزاغي حبات الندى المتكسر على زجاج نافذتك، يدخل السرور إلى قلبك وعينك، ويطير تاركاً تلك السعادة التي التصقت على ذاك الزجاج في ذلك الفجر الوضيء.
- أن توقظ صباحك تلك البدوية الشقية بك، تزّل قهوتها المقندة، وتصرّ لولدها وصاياها العشر، ولجاراتها الحب والأكل، ولك قبلة باردة في الصيف.
- أن يتراءى لك «أبو خليفة» كلما دخلت العين، تراه في حلّه وترحاله، ترى ظله وهو يصل داره، ضافياً عليها من كثرة خيره، وسهالة ميره، فيكون قدومه السعد، ومراحه الوعد، ومسكنه حبة العين.. تتذكره اليوم بصدق الرجال، وبطعم كل الخير.. فتدمع تلك العين.
- ليت بعض الوجوه.. لا تغيب، بعض الوجوه تمر هكذا.. كنسمة باردة على الناس والحياة، ترى في مُحياها السماحة والوداعة والخير الكثير، تراها فيتسرب إلى جوفك فجأة، شيء كرائحة الفجر الندي، أين ما وطأت قدماها اخضرّت الأرض واستبشرت، وأدخلت من وقتها وسرورها الشيء الكثير في صدور الناس، وبقي ظلها يغشى الناس بالحسنى والمعروف والكرم الكثير.