لا أحد فوق النقد سوانا

لا أحد فوق النقد سوانا!

لا أحد فوق النقد سوانا!

 صوت الإمارات -

لا أحد فوق النقد سوانا

عوض بن حاسوم الدرمكي
بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي

الخطأ عندما يُنتقَد فإنّ النقد يكون لذاته، فأيما شخص أو جهة ارتكبه كان النقد مُبرّراً، أمّا أن يُنظَر لمن ارتكبه لتحديد إن كان بالإمكان «زحلقته» وتبريره ومهاجمة من يُشير إليه، فإنّ تلك المزاجية هي البليّة والتي يصدق بها الحديث الشريف: «إنّهم كانوا إذا سَرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سَرَق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ»!

تُخطئ إحدى المؤسسات المؤثرة أو تُقصِّر في أداء مهمتها الرئيسية، حكومية كانت أم خاصة، فتطالها انتقادات المجتمع المحلي وخصوصاً من الفئات ذات العلاقة بنطاق مهامها وتصطف معها الكثير من الوسائل الإعلامية كتأكيد على كون الإعلام هو لسان حال المجتمع وأنّ الخطأ إنْ عَمَّ فلا بُدّ من إصلاحه

يخرج صوتٌ نشاز أو فعل مستهجن من أحد المشاهير بما يمس قيم وعقيدة وأخلاقيات المجتمع، فيقف الكثير من أفراده رفضاً لهذا التصرّف حرصاً على تماسكه وحفاظاً على خصوصيته وهويته، ومن جديد تقف الوسائل الإعلامية مع توجّه المجتمع مشكورة، فتماسك النسيج الداخلي أمرٌ لا يجوز العبث به لأي كائنٍ كان.

«يهبّب» أحد الفرق الرياضية التي تمثّل الوطن وتأتي نتائجه مُخيّبةً للآمال إنْ لم تكن مُفجِعة ومُخجِلة، وتتضح جوانب قصور كثيرة في عمل إدارته وكوادره الفنية، فيتعرّض بدوره لسخط الناس غيرةً منهم على شعار بلادهم واسمها الذي يحمله هذا الفريق الرياضي، ومرة أخرى يُساند الإعلام رأي الجماهير العريضة كتبيان على صحة وصلاحية النقد.

النقد هنا وفي الحالات المشابهة أيضاً ينصب على انتقاد «السلوك» ورغبة في تصويب «المسار»، ولا يتجه لانتقاد الأشخاص لذاتهم أو المؤسسات لعينها، وعندما يحدث الخلط بين هذه الأمور المتباينة يولَد صراع نحن في غنى عنه، ويُبعِد النظر تماماً في البحث عن حل للمشكلة إلى اختلاق صراعات جانبية ترتفع وتيرتها وحِدّتها أحياناً لحد التهجّم الشخصي المبالغ فيه وتصغير الآخر وتسفيه فكره، وبين الجُملة والجُملة يُزَجّ باسم «الوطن» وكأنّه يُصوِّر مَن يُخالِفه بأنه ضد الوطن وتوجهاته، رغم أنّ ما حرّك ذلك الـمُنتقِد وأثاره هو حرصه على بلاده وخوفه على سُمعتها !

الغريب أنّ بعض المنتسبين للوسائل الإعلامية نسوا هذه الحقيقة البديهية، وبعد أن كانوا يقفون مع المجتمع في انتقاده لسلوكيات وتصرفات الأفراد والمؤسسات القاصرة أو الخاطئة، هاجموا المجتمع عندما عاتب ووبخ إعلامنا المحلي على تقصيره في الدفاع عن الوطن بعد استشراء الهجمات عليه مؤخراً، والهجوم الذي تعرضت له بلادنا أشبه بكرة الثلج المتدحرجة التي كانت تكبر بمرور الوقت في غياب شبه تام عمّن يدحضها ويُبيّن عوارها من المؤسسات الإعلامية الرسمية، حتى أصبح إيقاف تأثيرها السييء لسمعة البلد الاقتصادية بعد فوات الأوان ضرباً من المستحيل.

موقف «المتفرِّج» الذي أخذته أكثر وسائلنا الإعلامية بينما كانت منصات الإعلام الحديث تمور مَوراً بالهجوم على اقتصادنا وسياستنا وعلاقتنا بأشقائنا وأخذ زخماً هائلاً أوجع كل مُحب وأسعد كل كاره، كان ذلك فوق قدرة احتمال أفراد المجتمع العاشق والمخلص لبلاده، حينها لم يكن يُدافع ويحاول كسر حدة موجة الهجوم إلا أطيافاً من المغردين والمغردات، لكن عندما يتعلّق الموضوع بإشكاليات تصنيع ومقاييس جودة ومعايير صحة ومُحدّدات سلامة، فإنّ الموضوع يكون خارج قدرات الشخص العادي، إذ لا بد من تصدي جهة إعلامية رسمية تستطيع توفير كافة المعلومات والحقائق من مصادرها والتي لا يكون بعدها لدى المهاجمين مبرر للاستمرار في «شحن» الدنيا وتأليبها علينا.

لا نريد مزايدات على حساب الوطن، فهو يهمنا جميعاً وذلك ما يجمعنا في هذه القضايا، ولا عيب أن يُخطئ الإنسان أو يشوب أدوار بعض المؤسسات شيء من القصور، فالكمال لله وحده وليس ذلك مطلباً نُطالب به الآخرين، ولكن المطلوب هو إصلاح الخلل وتطوير الأدوات وتعديل المسار، وما ننتظره من إعلامنا الموقر هو أن يعرف أولاً أن عتب الناس من محبة وليس كرهاً، وأن انتقادهم لكون الجميع في ذات القارب وليس ترصداً، وأنّ غضبهم من حالة البيات الشتوي التي أصابت أغلب وسائلنا الإعلامية في هذه الفترة الحرجة التي كشّرت بها الهجمات عن أنيابها كانت عتباً ولوماً لهذه السلبية وليس رغبة في زيادة متابعين أو الحصول على «لايك» أو «ريتويت»

من يرى صحة انتقاد الآخرين لأجل الإصلاح، ويعيد على الدوام كلمة «النقد البنّاء» وتشتد لهجته أحياناً على الآخرين، لا بد أن يتقبّل النقد لوجود قصور لديه، خاصة إنْ كان ذلك النقد توجّهاً عاماً وليس رأياً فردياً يقبل الخطأ أو الصواب، فلا أحد فوق النقد عندما يُخطئ أو يُقصِّر، ولا مكان للمجاملات أو «التطويف» عندما يتعلّق الأمر بسمعة دولتنا، وكم كان مُحزناً أن يُهاجَم الوطن في غياب شبه تام لإعلامنا، وعندما نطق بعض الإعلاميين وجّه سهام هجومه على أفراد المجتمع لا لأعداء ومُهاجمي المجتمع، تلك كانت سقطة لا تغتفر ونتمنى أن لا تتكرّر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا أحد فوق النقد سوانا لا أحد فوق النقد سوانا



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates