سُكّر التوطين ومِلحه

سُكّر التوطين ومِلحه!

سُكّر التوطين ومِلحه!

 صوت الإمارات -

سُكّر التوطين ومِلحه

عوض بن حاسوم الدرمكي
بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي

بمرور الأيام تتعقّد الحياة أكثر، وتظهر تحديات لم يكن يعرفها الجيل السابق ومن قبله، ويزداد الارتباك في المشهد بين من يبدو مذعوراً مما استجدّ وبين من يُكذّب ما يراه ويرفض أي محاولة لتنبيهه لتغيّر الواقع مِن حوله، وبين من يريد أن يقترح حلاً لكن تختلط عليه الأمور، فيرمي الأهداف الخطأ ويجني ردّات فعلٍ غير مبتغاة، تماماً كمن يختلط عليه الملح والسكر لأن الاثنين لونهما أبيض!

بداية أود أن أبدي ملاحظة على مؤسساتنا المحلية العام منها والخاص، فهي لا تأبه لكثير من القضايا المهمة إلا إنْ تحدّثت عنها القيادة أو خرجت كتوجه للدولة، فلم نسمع لهم شيئاً عن القراءة وتشجيعها قبل أن تعتمد الحكومة عاماً للقراءة، فرأينا حتى المسابقات في الدوائر الحكومية لتشجيع القراءة وجوائزها أيضاً كُتُب، ثم أتى عام الابتكار فنسوا كل شيء يخص الكتب وأصبح استخدام كلمة «الابتكار» في كل جملة اعتراضية لمسؤولي تلك الهيئات بسبب أو دون سبب، وتلاها عام التسامح والذي جعل البعض يطلب من محاضري الإدارة والتنمية البشرية ليُدخِل موضوع «التسامح» بأي طريقة في حديثه، والآن صرعة الذكاء الاصطناعي التي جعلت البعض يضع لوحة خلايا شمسية لتوليد طاقة كهربائية لإضاءة عُش أو ري تربة ويبرزها كأول مزرعة خضار أو دواجن بالذكاء الاصطناعي!

ما يجري يُثبِت حقيقة مُرّة، وهي أنّ بعض المسؤولين يعاني من ضبابية في الرؤية، وأنّ أولويات الحكومة ومرتكزات خططها الاستراتيجية لا يعلم عنها شيئاً، فهو يضيع في الأعمال الروتينية وينساق معها حتى تُخرجه عن إطار الصورة الكبيرة، لذلك يبدو مندهشاً ومتوتراً وهو يستنفر الجميع في المؤسسة للإسراع بتنظيم أية أنشطة أو مبادرات حول عام الحكومة و«التذكير» الجديد الذي تدشنه القيادة الرشيدة بعد أن ترى مؤشرات غير مقبولة في بعض المسارات، لكنهم للأسف ينسون توجيه العام الفائت بانشغالهم بالحالي، وسينسون الحالي بتوجيه العام المقبل، استراتيجية «سمّعهم اللي يحبون» لا تصلح لبلدٍ لا يعترف بسقفٍ لطموحاته، أتمنى أن يكون هناك عام لتحفيظ كل المسؤولين استراتيجية الحكومة ومرتكزاتها لنختصر على أنفسنا الوقت، ونوفّر هذا الهدر في الطاقات والموارد لمحاولة إثبات «ترانا معاكم»!

الملف الأكثر سخونة هذه الأيام هو التوطين وتوفير فرص عمل للمواطنين، والحكومة جعلته على رأس أولوياتها في الفترة الحالية حرصاً منها على أبنائها وضمان مستقبل كريم لهم ولعوائلهم، وكالعادة رأينا الاستنفار عند جميع المؤسسات لدعم مبادرات التوطين، وكأننا لسنا في عام 2019 والبلد موحّد منذ 1971 لكي يوهمونا كأنهم يسمعون بهذا الأمر للمرة الأولى، رغم أن جميع هذه المؤسسات لو قرأت خطتها الاستراتيجية ستجد التوطين جزءاً رئيسياً منها، وفي مؤشرات جوائز التميز الحكومي يبرز مؤشر التوطين لما له من أولوية لدى القيادة الرشيدة، لكن بعض «الربع» يريدوننا أن نصدق أنهم لم يكونوا يعرفون أنه أولوية!

ما تكشّف خلال الأيام الماضية في عدد من المؤسسات كان مزعجاً، خاصة عندما ترى فئات وظيفية مُحدّدة صدرت تعليمات الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية منذ «سنين وبْنين» بِقَصْرِها على أبناء الدولة لكن تجدها مشغولة بغيرهم من الجنسيات، ثم تجد سكرتير المسؤول الذي يصدعنا ليل نهار عن أهمية التوطين هو نفسه غير مواطن، بل وصل الأمر أن برنامجاً للبث المباشر لم يصدق أنّه حتى موظفو مراكز الاتصال Call Centres الموجودة بالدولة من غير المواطنين فقام بالاتصال مباشرة وانكشفت الحقيقة المؤلمة على الملأ!

الداء مكانه واضح، بعض المسؤولين الذين لا يكترثون كثيراً لأولويات الأجندة الحكومية، ولا يتحركون إلا إذا خافوا أن تنكشف تصرفاتهم الخارجة عن السياق المطلوب، ما يُثلج الصدر أن وقت التلاعب والفهلوة من البعض، هداهم الله، قد انتهى، ومن يمسك بالملف حالياً هو سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان بنفسه، وملف أصبح لدى «بو زايد» لا خوف عليه إطلاقاً، فسموّه شخصية قيادية فذة مُحبة لبلادها ومَن بها، ونجاحاته وإنجازاته أشهر مِن أن تُذكَر في مجالات السياسة والاقتصاد والإدارة والرياضة، فالحل لهذا الملف هو مسألة وقت لا أكثر، فلنطمئن.

نقطة أخيرة أتمنى أن نراعيها، وهي أن مطالبتنا بالتوطين لا تعني الإساءة لإخواننا غير المواطنين، فهم كفاءات تركت بلادها وأهلها وتغرّبت وعانت كثيراً لتوفير لقمة عيش كريمة لأُسَرِهم، أغلبهم إنْ لم يكن جميعهم يبذلون جُهداً كبيراً في أداء مهامهم، ومِنهم الكثير من صانعي الفارق الذين يقدمون عملاً استثنائياً يخلق قيمة كبيرة للمكان والمجال الذي يعملون به، وهم وهذا هو الأهم «لم يضربوا أحداً على يده» لكي يوظّفهم، فهم يساهمون معنا في بناء هذا الوطن، وأصابع اللوم لا بد أن تذهب لمعاتبة الأشخاص الصح وليس غيرهم، فلا نريد أن نكون نحن أيضاً ممن لا يعرف الفرق بين السكر والملح، لأن كليهما أبيض اللون!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سُكّر التوطين ومِلحه سُكّر التوطين ومِلحه



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates