بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي
يقول مثلنا المحلي «عوقنا في بطونّا»، وتلك المقولة أكاد أرى ترجمتها العملية من جديد على أرضٍ عربية أخرى مكلومة، ليس من العدو الخارجي ولكن لسوء حسابات بعض من تسنّم الأمر فيها، يُخطئ ولا يريد من يُنبّهه لسوء صنيعه، يخلط الأوراق بعبثية هوجاء وهو يريد أن يظن الغير أنّه يرى ما لا يرونه وأنّه ساس السياسة ورأسها، يجمع النقائض ويريدها أن تخلق كياناً متماسكاً، يتكلّم عن بناء وطن وضّاء المستقبل، وهو يجمع حوله لوردات الحرب وأصحاب الأجندات الحزبية وتجار الدم، يتحدث عن يمنٍ سعيد وهو يُقدّم على المناصب وفوق المنصات مَن سرق سعادته، يريد أن يُقنع الدنيا بأنّ فاقد الشيء يستطيع أن يُعطيه!
منذ سنين خمسٍ، ساقت الإمارات «حالها وحلالها» وفلذات أكبادها لتنقذ اليمن الذي هجره الأمان بصعود الميليشيات الحوثية المتمردة وأضْعَفَهُ خَوَر الحكومة الرسمية وانتشار الخيانات واستشراء الفساد في أوصال الدولة، فأتى «عيال زايد» مع إخوانهم من رجال المملكة العربية السعودية الأشاوس لنصرة الضعيف واستعادة بسمة الوطن التي غابت.
خمس سنين ودماء أبطالنا تسيل في وهاد اليمن ونجادها وغيرهم بين صينية «مندي» تروح وصينية «كبسة» تجيء، يُقاسون برودة الشتاء وقيظ الصيف وأولئك يتنعمون في غرفهم الفندقية الفخمة المكيّفة، ينامون متوسدين سلاحهم ورصاصات القناصة الغادرة تئز فوق رؤوسهم وأصحاب الكروش يتوسدون ناعم الفراش بعد أن غفت أعينهم على آخر المسلسلات الكوميدية، يخوضون حياض الموت في سعيهم لتحرير القرى اليمنية المكلومة، وأولئك الذين يدّعون أنهم حكومتها يرقصون على صوت الأغاني في ممرات الفنادق و«لُغْب» الواحد منهم يعج بالقات تارة وبالإساءة للإمارات تارة !
لا نمنُّ على أهلنا في اليمن بمجيئنا لنصرتهم، ولكن من باب التذكير بعد أن علا صوت الباطل واحتشدت أبواق الإعلام الإخواني والقطري لشيطنة الإمارات حتى لم يَبْقَ إلا أن يقولوا إنّ الحوثيين آتون منها، نحنُ لم نأتِ لمطمع كما يُصوّرنا الصغار، فالخير الذي في «دار زايد» كفى البعيد قبل القريب، ولكننا ذهبنا نُصرة لهم بعد أن تكالب عليهم أهل الشر من كل مكان: الحوثيون والإخوان والقاعدة وداعش، وتكشّفت الأيام أنّ من ظنناهُ عَوناً هو أحد أركان الداء، فحكومة عبد ربه منصور هادي تكسّبت من هذه الحرب، ولا يبدو أنّ مَن بها يريد انتهاء الحرب أبداً، فقد أصبحت الحرب بالنسبة لهم - إلا من رحم الله من الشرفاء - هي الإوزة التي تبيض ذهباً، إنْ انتهت انتهى الذهب!
غرّد أحد شرفاء اليمن وهو يسخر من هجوم حكومة هادي على الإمارات بقوله: «إنّ ما دفعته الإمارات والسعودية من أموال يكفي لتحرير صنعاء 70 مرة»، وبينما سالت دماء أبنائنا على رمال اليمن كانت بنادق الإخوان حلفاء هادي تتفّق مع رفاقهم في الفكر من القاعدة والدواعش لبث الدمار وترويع الآمنين ثم محاولة رمي عِلّاتهم على إمارات الخير، وعندما طالب أهل الجنوب بحقهم في الحياة بعيداً عن سماسرة الحرب وتُجّار الموت صاح العويل من قنوات قطر وإعلام تنظيم الإخوان بأنّ الإمارات تريد تمزيق البلاد والانقلاب على الشرعية، البلاد التي يمزقها رجال الشرعية وحلفاؤها ويقتاتون على طبول حربها ويستمدون أقواتهم بسرقة أقوات قرابة 27 مليون يمني !
أصحاب الأجندات الحزبية يؤلمهم وجود الإمارات في أي معادلة، لأنها تكشفهم وتفضح مخططاتهم وأطماعهم، لذلك هم يسارعون لملء الدنيا بتلفيق أن للإمارات أطماعاً في البلد الفقير الممزق الموبوء بحروب جنرالات الفشل والدم، يتحدثون بحنجرة الحكومة الشرعية التي تحتضنهم وتأنس إليهم، فلا غرابة حينها إنْ حاولت شيطنة أصحاب الأيادي البيضاء، كما قال الإمام بشر بن الحارث: «صُحْبةُ الأشرار تورِثُ سوءَ الظنِّ بالأخيار»!