لا تكن ذاك المِعْوَل

لا تكن ذاك المِعْوَل

لا تكن ذاك المِعْوَل

 صوت الإمارات -

لا تكن ذاك المِعْوَل

عوض بن حاسوم الدرمكي
بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي

من جميل ما عليه مدار السلوك السوي قول الإمام القرطبي في كتابه (الجامع لأحكام القرآن): «ويرحمُ اللهُ السلفَ الصالح، فلقد بالغوا في وصيّة كلَّ ذي عقلٍ راجح فقالوا: مهما كنتَ لاعباً بشيء فإيّاكَ أن تلعبَ بدينك».الأُمم العظيمة لا تقوم على أرضٍ هشّة، ولا تبني أساسها على فراغ، ولا تسند عماد بقائها إلى كتف غيرها، ولم تصل إلى مكانتها الحالية مصادفة، فالصدف تفيدك مرة ثم تنتهي ولا تعود، ولكنها خطواتٌ في طريق المجد لم تنتهِ، وتعبٌ في سبيل التفوّق لم تخبُ جذوته، لمعانُها وعلو صيتها وطيب سُمعتها ومنتجاتها الحضارية ليست إلا ثمار أساسٍ راسخ وجذور متينة طيّبة بدورها، كما قال سبحانه: «والبلدُ الطيّب يخرج نباته بإذن ربّه والذي خَبُثَ لا يخرجُ إلا نَكِدا»

هذه الجذور المتينة والأُسس الراسخة هي في صورتها الجليّة عقيدة هذه الأُمة ومنظومتها الأخلاقية، هذه العقيدة وهذه الأخلاق هي ما يجعل مسارها دوماً محكوماً بالاتجاهات الصحيحة والخيارات الصائبة، هي أشبه ما تكون بضفّتي النهر، فهي ما تبقيه في مسار واحد، ولولاهما لتشتّت مياهه في كل مكان ولضاع أثره.

العقيدة السماوية السمحة وقيمها النبيلة هي ما يجعل تفاعل الأمة مع غيرها من الأُمم على درجة عالية من التناغم والتفاعل ما دام الآخر يُشاركها ذات المسار السليم، هي ما يجعل أفرادها مُلزَمين للمشاركة بإيجابية في إعمار الأرض وليتعارفوا مع غيرهم، وهي ما يُبْرِز الإنسانية الرفيعة في قلب كل شخص، والنبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: «في كل كبدٍ رطبةٍ.. أجْر»، ويوجه أنّ تمام الإيمان أن «يُحِبَّ لأخيه ما يُحِب لنفسه»، وأنّ إيذاء الآخرين مما يتنافى وأخلاق أهل الدين السمح، وهو يؤكد: «واللهِ لا يؤمن، واللهِ لا يؤمن، واللهِ لا يؤمن»، قيل: منْ يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه».

هذا الدين الحنيف أصبح هذه الأيام عُرضةً لتهجّم الباحثين والباحثات عن الشهرة، ولو كان الأمرُ من أصحاب الأديان الأخرى لهان الأمر، لأنّ ذلك مما اعتدنا عليه من البعض المتعصّب، لكن عندما يكون «عوقك في بطنك» ويخرج لديك البعض ليسخروا من أحكام الدين أو يستهزئوا باليوم الآخر فهنا يبدو أنّهم فَهِموا قضية حريّة الرأي بطريقةٍ مغلوطة، فالإسلام دين البلد، والسخرية منه بهذه الطريقة الصبيانية تستفزّ مجتمعاً مُسالماً معتزاً بهذا الدين دون داعٍ، وفي وقتٍ نحتاج فيه لشد لُحمة البلد وتعزيز تماسك نسيجه الاجتماعي، هؤلاء يجهلون أنّ السخرية من الدين هي انتقاص له وانتقاصٌ لمن شرعه وانتقاصٌ لمن جاء به: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ».

قد نتقبّل انتقاد بعض الأشخاص إنْ كان في اختياراتهم الفقهية بعض الشدّة إنْ رجَّح العلماء آراء أخرى أكثر ملاءمةً لأحوال الناس ونوازلهم، ولكن هذا النقد لا يقوم به منْ هو خِلْو مِن العلم الشرعي، فالمزاج الشخصي لا يجعل الجاهل ضليعاً في العلم، فلكل عِلْمٍ أهله وجهابذته، وكما لا نرضى لفقيه أن يتحدث في أمور الفيزياء، فكذلك لا نقبل من ذات الباب أن يتفلسف جاهلٌ بالفقه في أمور الفقه، فلكل فنٍ أهلُه ومَن أراد الجواب فليسأل العارف به ولا يضع تخميناته الشخصية ثم يُشوِّش بها على خلق الله.

للشهرة أبوابٌ كثيرة، ولاستدرار انتباه الناس مسالك عديدة، وإنْ كان لديك فهم مغاير ورأيٌ نشاز فذلك شأنك ولا دخل لنا به ما دمت لم تطرحه علناً لاستفزاز الخلق، ولكن هذا الوطن أمانة تركها لنا زايد الخير، رحمه الله تعالى، فلا تكن أنت من أجل لمعان شهرة عابرة مِعْوَل هدم فيه، ومهما كنتَ لاعباً بشيء فإيّاك أن تلعب بدينك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا تكن ذاك المِعْوَل لا تكن ذاك المِعْوَل



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates