بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي
يقول سن تزو في كتابه فن الحرب: «القائد المنتصر ينتصر أولاً ثم يذهب للمعركة، أمّا المنهزم فيذهب للمعركة ثم يبحث عن النصر»، فالفارق كبير والنتيجة بدورها عالية الاختلاف، هناك من يبحث ويستعد ويضع عشرات السيناريوهات المحتملة للمعركة المقبلة وكيف سيتعامل مع كلٍ منها ولا يترك شيئاً للصدفة فيكون من المرجَّح له الانتصار عندما تبدأ، وهناك من يذهب «على البركة» لميدان المعركة دون خطة واضحة، معتقداً أنه سيجد طريقة ما للنصر الذي لن يأتي إلا عندما «تتعقّص الرخمة»!
الحياة أرض تنافس كبيرة، وقرارات الإنسان اليومية تُحدّد مصيره ومساره في ذلك التنافس، تلك القرارات المصيرية يولّدها ويقيّمها ويختار بينها كل شخص بطريقة مغايرة وفقاً لنمطه التحليلي وثرائه الفكري وتراكم خبراته وجُرأته لاقتحام غير المألوف وسَلْك طريقٍ لم تطأه أقدام أحدٍ قبله، فمن أراد شيئاً مُختلفاً عما اعتاده البقية كان لزاماً أن يقوم بشيء مختلف وجهد مختلف عمّا اعتاد هو شخصياً عليه، وإنْ كان الإنسان قائداً كان حرياً به أن يتفحّص مَن حوله ليرى من يستطيع أن يكون على قدر الرهان فيعتمد عليه، ومَن ليس كذلك فلا يُلتَفَت له!
كعادته، وَضَع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تغريدة جديدة في وَسْمِه الشهير #علمتني_الحياة، الذي أصبح منصّةً مُلهِمة يرتادها ويقتبس من نور مشكاتها الملايين من مُتابعي سموّه، فتنير مسار من أظلمت عليه الدروب، وتُلهِب حماس من أتعبته مُحبطات الواقع، وتُوجِز في كلمات قلائل خلاصة آلاف الكتب والتجارب والعِبَر.
كتب «بو راشد» في تغريدة واحدة أربع قناعات لسموّه، كل واحدة تستحق أن تُفرَد بمقال لوحدها: «أن لا أنتظر إنجازاً من شخصٍ يُجيد اختلاق الأعذار.. ولا أنتظر رأياً من شخصٍ يجيد التلوّن.. ولا أنتظر أفكاراً من شخصٍ يُجيد تحطيم أفكار الآخرين.. علمتني الحياة أن لا انتظر أحداً.. بل أُبادِر.. وسيلحقني الآخرون».
من يختلق الأعذار هو شخص اختار الهزيمة مُسبقاً، وسيبحث طيلة طريقه معك عن فُرَص لكي يتملّص ويرجع لما اعتاده من الخمول والرضا بأن يبقى مع «القطيع»، مثل هذا يعد وباءً مدمراً لا بد من اجتثاثه من فريق العمل سريعاً قبل أن ينقل سلبيته لغيره، فلا إنجاز يُنتَظَر من ورائه أبداً!
أمّا المتلوّن فلا رؤية فعلية لديه ولا غاية سامية يتفق فيها مع البقية، فرؤيته لا تخرج عن مصالحه الضيّقة، وغايته الشخصية تجعله يقفز على حبال كل النزعات والتيارات تبعاً للأكثر ظهوراً والأعلى صوتاً منها، مثل هذا لا يمكن أن يأتي منه رأيٌ تُبنى به الأوطان أو تُجبَر به القلوب أو يُقرَّب به البعيد.
تمر ببالي حكمة كُتِبَت على جدار أحد المقاهي القديمة بالريف الفرنسي: «إنّ أعظم الأفكار تُغتَال بواسطة أصغر العقول»، فصغير العقل مهما كَبُر سِنُّهُ وضخمت جُثته سينشغل على الدوام بمعاركه الصغيرة وأهمها حماية وجوده من الموهوبين وأصحاب الأفكار، مَن يئدُ أفكار غيره لا يمكن أن يأتيك بأفكار تستحق التوقف عندها، ففاقد الشيء لا يُعطيه و«كاسِر المياديف» لن يُنقذ سفينة تتلاطمها الأمواج ولن يدفعها إلى ميناء الأمان!
علّمنا «بو راشد»، رعاه الله، أن المبادر هو مَن يخلق الفارق، فالأغلبية تحلم بالقمة لكنّ نزراً يسيراً من البشر مَن يُشمّر عن سواعد الجُهد ويُقدّم قرابين التضحيات المتوالية حتى يصلوا إلى مبتغاهم، الدنيا لن تنتظر أحداً وإنْ كنتَ نادماً على شيء فلا تندم إلا على أنّك لم تبدأ بالأمس، لا تلتفت للوراء بل اُتْرُك آثارك ليقتفيها من يحمل طموحاً حقيقياً وقلباً شجاعاً، ويتحاشاها الفاشلون والباحثون عن الظل والراحة، وكما يقول مَثَلُنا المحلي: «البِسْر يتعلَّق والخشاش يطيح»!