بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي
يقول الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي: «نعلم يقيناً أنّ أولئك الذين يملكون الموهبة على اختراع آلات بمقدورها أن تُزيح البشر من أماكن العمل، أن بمقدورهم بذات الموهبة أن يجعلوا ذات البشر يعودون للعمل».
أنا شخصياً من مُحبي التقنيات الحديثة ككثيرين غيري، لكنه حب لا يجعلني إطلاقاً أصفق للتسابق على إدخال الروبوت واستخدام منتجات الذكاء الاصطناعي لتكون بديلاً للبشر، نعم نحتاج لرفع كفاءة العمل كإجراءات ومخرجات ولكن ليس على حساب الإنسان نفسه، نحن نُضيع البوصلة تماماً عندما نريد استخدام الآلة على حساب البشر للخروج بمنتجات لجعل حياة أولئك البشر -الذين أصبح أكثرهم دون عمل -أجمل!
إنسانٌ دون عمل هو إنسان دون حياة، وفي كوكب تزداد فيه الظروف الصحية جودة، يكون من الطبيعي أن يزدهر بتزايد سكانه بشكل متسارع، ويكفي أن نعرف أن عدد سكان الأرض قفز من 2.5 مليار عام 1950 إلى 7.7 هذا العام، إذ يولد في المتوسط 3 أطفال كل ثانية !
هذه الزيادة المهولة تتطلب أن يكون هذا العالم وحكوماته أكثر تعقلاً لكبح جماح الرأسمالية الجشعة والمستفيدين منها ليعلموا أنّ دور الإنسان في هذا الكوكب أن يتكامل مع أخيه الإنسان ليعيشوا سوياً حياة كريمة، لا أن يملأ أحدهما أرصدته البنكية وينفق جهده ووقته لزيادتها أكثر دون اعتبار للبشر الآخرين، ودون اكتراث إنْ كانت ستتم على جُثة مستقبل غيره، وتركهم يواجهون المجهول، ويدفع الإعلام وأبواقه لتمجيد الفتوحات التقنية المذهلة حتى لا يبكي أحد على مصادر «لقمة عيش» من صادرت التقنية وظائفهم، تلك التقنية التي كانت وسيلة وجعلها الإعلام الـمُسيَّر بالدولارات غايةً في حد ذاتها!
يقول مثلنا المحلي: «حط ايدك في قرصك»، يهمنا هنا أن نفهم الدرس وألا تضيع علينا البوصلة التي تعمدت الرأسمالية العالمية إضاعتها خدمةً للكبار وأصحاب الكروش الممتلئة، فلدينا نُذُر مشكلة نتمنى ألا تتحول لأزمة فعلية، فمعدلات البطالة بين الشباب من سن 15 إلى 25 بلغت عام 2016 نسبة 11% حسب دراسة قدمتها جامعة الإمارات، وبيّنت أنّ قوة العمل المواطنة لا تُشكّل في القطاع الخاص سوى 7% فقط.
الدراسة ذاتها، اقترحت حلولاً لهذه المشكلة متمثلة بضبط وتنظيم وتقنين سياسات استقدام العمالة إلى الدولة، وتغيير اتجاهات الشباب نحو العمل في القطاع الخاص، وتشجيع المواطنين على ريادة الأعمال والاستثمار في المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتضييق الفجوة بين مخرجات التعليم من ناحية ومتطلبات سوق العمل من الناحية الأخرى، وأخيراً استحداث قوانين وتشريعات تلزم القطاع الخاص بنسب أكبر للتوطين.
لا خلاف أنها مقترحات ضرورية ولكن الملاحظ أنّ جميعها «مستقبلية» ما عدا المقترح الأخير، والحلول يفترض أن تعالج إفرازات المشكلة الحالية كأولوية قبل أن تقفز لما قد تفرزه السنوات المقبلة، فأعداد الخريجين تتزايد ومعارض التوظيف تغرق تحت أكوام كبيرة من أوراق السير الذاتية للباحثين عن عمل، وإن بقينا بنفس طريقة تعاملنا الحالية مع القضية فإنها ستتفاقم حتى تخرج عن السيطرة.
البطالة هي أخطر ما يواجه المجتمعات، وزيادتها كابوس اجتماعي واقتصادي وأمني كبير، والاعتراف بوجود مشكلة ومواجهتها سريعاً لإيجاد حلول ناجعة لها خيرٌ من تجاهلها أو التعامل معها وكأنها «وعكة» طارئة ستزول من تلقاء نفسها، المشكلة لا تحل نفسها، كما لن تحلها المؤتمرات الصحفية والمقاربات السطحية، ولن يشعر بحرج تداعياتها على الوطن ويتحمس لتقليل ضررها فعلاً مَن لا يعيشها أو يُعايشها، تماماً كما كان يقول أجدادنا:«عطية الشبعان على اليوعان بطيّة» !