تأثير الكوبرا

تأثير الكوبرا

تأثير الكوبرا

 صوت الإمارات -

تأثير الكوبرا

عوض بن حاسوم الدرمكي
بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي

خلال أيام الاحتلال البريطاني للهند، كثرت شكاوى الجنود من زيادة عدد أفاعي الكوبرا القاتلة في مدينة دلهي تحديداً وما يحيط بها، فأعلنت ممثليّة الحكومة البريطانية بالهند عن جائزة لكل من يصطاد أفعى منها كحل ارتجالي دون تقييم عميق للوضع، فما كان من الشعب الفقير إلا الاندفاع للفتك بتلك الزواحف طلباً للمال، وبعد فترة لاحظ المحتلّون البريطانيون تداعياً غريباً للحل وذلك أنّ السكان المحليين قاموا بإنشاء «مزارع» لرعاية بيض الكوبرا واستخراج أكبر عدد ممكن منها لبيعها !

حينها حاول البريطانيون تدارك الخطأ فقرروا العودة لنقطة البداية وقاموا بإلغاء القرار، ولكن مرةً أخرى حدثت تداعيات جديدة لم يأخذها صاحب القرارات المتسرّعة في الحسبان، فالسكّان المحليون عندما علموا بالإلغاء تركوا تلك المزارع وعادوا لانشغالاتهم اليومية، الأمر الذي نتج عنه خروج أعداد هائلة من الأفاعي جعلت الوضع القديم «وردياً» مقارنة بما أصبح عليه الحال!

الحل المتسرّع لا يأتِ بخير أبداً، وعدم الانتباه لكامل تفاصيل المشهد وما يحيط به وما يؤثر فيه من أشخاص وظروف وما يعتبر سبباً جذرياً للمشكلة لا شكلياً لن يؤدي إلا لتخبطات مستمرة تجعل المشكلة تتحوّل لأزمة تستعصي على الحلول لاحقاً، حينها لن تنفع الحلول «الترقيعية» ولن يفيدنا بشيء أن النوايا كانت طيبة، الأخطاء تُعالَج بمعايير متكاملة وأدوات فعالة وباستقراء تام، ولا يمكن أن تُعالَج بحلول متهورة أو بتجاهل وجودها أصلاً والتشنيع على من يُشير لضررها!

منذ فترة بدأت في التزايد أصوات تُعاتِب من ينتقد السلوكيات الخاطئة أو القاصرة في بعض مؤسسات الدولة «الخدمية» بحجة أنّ هناك «مترصدين» لبلادنا وسيجدونها فرصة سانحة للهجوم علينا، بينما سلكت مجموعة أخرى طريقة أكثر غرابة بتصوير من ينتقد تلك السلوكيات المؤسسية كمنتقد للجهات العليا التي اختارت مسؤولي تلك المؤسسة !

خصومنا سيهاجموننا بكل حال وذلك قَدَر الدول الناجحة، الفاشلة فقط هي من لا يُؤبه بها ولا حُسّاد لها، لكن أن نترك الخطأ يستشري حتى يقوّض جانباً من قدرات الدولة ونتركه دون علاج «حقيقي» وليس علاجاً متشنجاً متسرعاً، طبطبةً على بعض من لا يستطيع رؤية مكمن الداء، أو خوفاً من انتقاد مترصد، فإنّ ذلك مما لا يقول به عاقل أو محب مخلص لوطنه، أما دعوى أنّ الـمُنتقِد ينتقد في الحقيقة مَن اختار ذلك المسؤول أو تلك الإدارة فهذا أمرٌ يبرهن على هشاشته وسقوط منطقه توجيهات رئاسة حكومة البلد الاتحادية ممثلة بصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم والتي تتسق ومنهجيات أحدث الأنماط القيادية القائمة على دوام التقييم والتحسين، وهي المنهجية التي جعلت بلادنا تتألق كثيراً في مؤشرات التنافسية العالمية بمختلف مجالاتها.

قبل أيام قال سموّه: «وجهنا اليوم بالبدء في تقييم خدمات 600 مركز خدمات حكومي، سنعلن في 14 سبتمبر عن أسوأ خمسة مراكز خدمة وأفضل خمسة، ورسالتي لكافة المسؤولين: لن نرضى بغير المركز الأول عالمياً في خدماتنا وكافة مرافقنا»، تقييم الخدمات لمعرفة الفعّال من غيره، وتمييز المجتهد عن سواه، أمرٌ حيوي لديمومة النمو وضمان استمرارية النجاح، فلا يوجد نمو دون محاسبة صارمة للذات، ولا يستمر نجاح دون ملاحظة كل التفاصيل وتصحيح أي انحراف في مهده، ولا يدوم تفوّق تنافسي بأشخاص يطلبون منك التصفيق فقط، المركز الأول عالمياً كما يقول بوراشد (حفظه الله) يريد جهداً مضاعفاً وتقييماً صارماً وحلولاً ناجعة.

من يعمل سيخطئ لا محالة ولا عيب في ذلك، لكن العيب في «التعامي» عن الخطأ أو الاندفاع لتطبيق حلول دون استقراء سليم أو حساب لتبعاتها، وضع مكافأة لقتل الكوبرا لن يحل المشكلة، لكن تجاهلها لن يحلها أيضاً!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تأثير الكوبرا تأثير الكوبرا



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates