بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي
الصغار دوماً كما يقول نابوليون بونابرت، يعمدون للممالك التي يحكمونها فيبدأون بتقزيمها، حتى تتناسب وقدراتهم الضئيلة وأحجامهم الصغيرة، فما بالك إن كانت دولتهم صغيرة من أصلها، كل حركاتهم تكون بالاتجاه الخاطئ، وأغلب مخططاتهم لا تنظر لأبعد من موضع أقدامهم، يعيشون وكأنهم في جزيرة معزولة، ويتصرّفون وكأنّ أخطاءهم لن يعود وِزْرها عليهم، طال الزمان أم قصر، ويكذبون من دون توقف، ظنّاً منهم أنّ كثرة الكذب ستجعل الآخرين يصدقونهم، يتعامون عمداً وجهالةً، أنّ ورقة التوت التي كانت تستر «شيئاً ما» عوراتهم السياسية، قد سقطت منذ زمنٍ ليس بالقصير!
في عام 590 هـ، أراد الخليفة العباسي الناصر لدين الله، والذي لم يكن فعلاً يملك أكثر من بغداد وما أحاط بها من بَلْدات وقرى لا غير، أن يكسر من قوة دولة السلاجقة التي تملك خراسان وأجزاء كبيرة من العراق، فقاده فكره الضحل، لأن يستعين بقوةٍ أخرى للتخلص من هذا الجار القوي، وراسل علاء الدين محمد بن تكش زعيم الخوارزميين ببلاد ما وراء النهر، ليساعده في التخلص من السلاجقة، وفعلاً، وجدها هذا فرصة ليبسط نفوذه، والتقى السلاجقة بقيادة طغرل بك وهزمهم، لكنه لم يَعُد كما اتفق مع الناصر، بل استولى على كل الأراضي التي يملكونها قبله، وهدّد بغداد نفسها!
ولأن أصحاب العقول الصغيرة، لا ينفكون من تكرار الخطأ ذاته مراراً، لأنهم لا يعرفون توليد سيناريوهات أخرى، فقد قام بعد أن «تورّط» مع الخوارزميين، بالاتصال بجنكيز خان زعيم المغول الشهير، عارضاً عليه أن يتعاون معه ليُهاجِم المغول أطراف المملكة الخوارزمية من الشرق، ويُهاجمهم الناصر من الغرب لإسقاطها، ظنّاً منه أنه بذلك سيتخلص من شر الخوارزميين، متغافلاً أن بفعلته تلك، كان يُنبّه أكبر دولة دموية لضعف جيرانه الأثرياء!
الصغار دوماً يختلقون المعارك، ويبحثون عن المناوشات، لأنهم ببساطة لا يُعرَفون دونها، ولا يُنتَبه لهم لولاها، فهم بدون هذه المعارك العبثية المصطنعة، يعودون لهامش الأحداث، ويتوارون في الظلّ، شأن الصغار دوماً، لذا، يأخذهم الحماس أحياناً للقيام بأمرٍ كبير، حتى يبقوا تحت الأضواء لأطول مدةٍ ممكنة، ولا يهم إن كان وراء ذلك الأمر الكبير سلسلة لا تنتهي من التبعات المؤلمة، هم يظنّون أنهم أذكى من الجميع، وبأنهم سيجدون حلاً ما لكل مشكلة ستواجههم مستقبلاً، كذبوا كثيراً في الماضي، ويكذبون حالياً، وسيواصلون الكذب مستقبلاً، مُدجّجين بآلة إعلامية أصبحت واجهةً للتلفيق وتزوير الحقائق، وبأنها تضمّ كل إمّعات العرب الحاقدين على الجميع، والمستعدين للنزول في الخصومة لمستويات من الألفاظ والعبارات والاستنتاجات التي يستحي منها إبليس نفسه!
تآمرت قطر على شقيقاتها، وما زالت، وستبقى تتآمر حتى يزول تنظيم الحمدين تماماً، فما داموا موجودين هم وغلمانهم وصعاليكهم الذين يتم شراء ذممهم ببعض الريالات، فإنّ الشر باقٍ، وإنّ مجرد نظرة لما تفعله قناتهم «الجزيرة» في تقاريرها، عن حرب تحرير اليمن، ليرى مستوى في الدناءة والكذب، يتورّع عنه من كان لديه بقيّةٌ من مروءة و«حياء»، لن نستغرب دفاعهم المستميت عن عصابات الحوثيين وأذنابهم من الإخوان المسلمين والقاعدة، فقد وضعوا مقادير دولتهم تحت أمر الحرس الثوري الإيراني، وهرع وزير خارجيتهم لطهران، مستنجداً لحماية الحكومة الكرتونية، قبل أن يقوموا بطلب «الفزعة» من إسطنبول، ويفتحوا بلادهم ومشاريعها، لتكون حقاً مباحاً للشركات التركية!
مر عام على مقاطعة السعودية والإمارات ومصر والبحرين لحكومة الشر، ورغم التهاوي المقلق لاقتصادها، إلا أن ّ الصغار لا يستطيعون التوقف عن مراهقتهم ومقامرتهم الخاسرة، حتى تضيع بلادهم، ويضيع معه مستقبل أهالي قطر الذين ابتلوا بهؤلاء الصغار، فبيانات المصرف المركزي القطري، تشير إلى انخفاض ودائع العملاء غير المقيمين بنسبة 24 % منذ يونيو 2017، وانخفضت الاحتياطات الأجنبية بنسبة 17 %، واضطرت الحكومة في محاولة يائسة لإنعاش الاقتصاد المترنّح، لرفع ودائعها في البنوك من 2.1 مليار دولار، إلى 84.9 مليار دولار في مارس 2018، وصندوق النقد الدولي، يشير إلى أنّ البنوك القطرية فقدت 40 مليار دولار من التمويلات الأجنبية، بينما تراجعت البورصة القطرية بنسبة 18.3 %، وهو أسوأ أداء في العالم عام 2017، كما يفيد بذلك تقرير وكالة بلومبيرغ الشهيرة!
إن هذه الحكومة الكرتونية التي تستنجد بالغريب والعدو ضد إخوانها، لا خير فيها، ومن كان لديه بقية أمل أن يعودوا لجادة الصواب، فنصيحتي له بأن ينسى، هم يتآمرون علينا دون توقف، ويمالئون أعداءنا، ويسخرون من شهدائنا، ويضخون أموالهم في مشارق الأرض ومغاربها، للإساءة إلى بلادنا، وتأليب المجتمعات الأخرى علينا، كذباً وزوراً، ومَن كانت هذه أفاعيله، فإنّ مجرد التفكير بأنّه سيتغيّر، هو ضربٌ من الجنون.
هم يراهنون على الوقت من أجل أن تنطلي أكاذيبهم على الناس، لذا، فإنّه من المهم ألا نجعل تلك الوسيلة مصيدةً لنا، يقول المثل المحلي «ينسى الصافع وما ينسى المصفوع»، ونحن لُدغنا من هذه الحكومة الغادرة كثيراً، ولا يجوز أن تغيب هذه الحقيقة عن أذهاننا لحظة، هو مستقبل أوطاننا، وغد أطفالنا، وليس مجالاً يمكن أن يُغَض الطرف فيه، لنتذكّر ذلك دوماً!