عام زايد الذي نريد

عام زايد الذي نريد

عام زايد الذي نريد

 صوت الإمارات -

عام زايد الذي نريد

عوض بن حاسوم الدرمكي
بقلم - عوض بن حاسوم الدرمكي

القدوات وُجِدَت لا لكي تزيّن أسماؤها صفحات الكتب، ولكن ليقتفي البقية آثارها، والرموز حظوا بالتقدير ليس لذات التقدير، ولكن لأنّهم مشاعل نور يستنير بضوئها من يأتي خلفهم، والقامات لا تنتظر مديحاً، ولكنها تنشد أن ترتفع لها وبها أعناق القادمين، فلا يرضوا بسفاسف الأمور ولا ينقادوا مع الغوغاء الذين لا يضيفون لهذه الدنيا شيئاً سوى ثُقلهم عليها قبل أن يغادروها غير مأسوفٍ عليهم!

ها قد وصلنا إلى قرابة منتصف العام الذي تشرّف بأن يُسمّى عام زايد، تمر بالمباني الحكومية والمؤسسات والمتاجر الكبيرة فلا تُخطئ عيناك صور الراحل الكبير، عليه مغفرة الله ورحمته، تغطي مساحات كبيرة من جدرانها الخارجية، وتمر في المكاتب وببعض المجالس، فتجد صوره بدبابيس معدنية تُزيّن صدور «الكنادير»، يرنّ هاتفك الذكي كثيراً بوصول سيلٍ لا يتوقف من ملفات الفيديو التي تحمل مقاطع من كلماتٍ مسجلة له، رحمه الله، بذلك الصوت الملائكي، الذي يأخذ بالذاكرة والأنفاس والأزمنة معها، ولكن رغم تلك الحفاوة وهذا الجهد إلا أنّ هناك شيئاً ناقصاً، شيئاً كبيراً للغاية، إنّه زايد نفسه!

زايد ليس صورة جدارية تُعلَّق، وزايد ليس دبوساً فضياً أو ذهبياً يُزيَّن به الصدر، وهو ليس فيديو يتم تناقله ثم وضعه في تويتر ليحصد «ريتويتات» كثيرة يتباهى بها صاحبها وهو ينتظر زيادة المتابعين، وهو ليس «هاشتاغ» يفرح به البعض أنّه وصل للـ«ترند»، زايد ليس جسراً ليصعد به بعض المهووسين بالشهرة، وزايد ليس ملامح فقط تحاول المؤسسات وأصحابها اجترار المديح أو التعاطف لها بوضعها لها، زايد أعظم من ذلك بكثير، هؤلاء لم يعرفوا زايد حتى اليوم!

لا معنى لأن نرى مديراً يضع صورة زايد على صدره وهو لا يحترم موظفيه، فقد كان زايد يحترم الصغير قبل الكبير والفقير قبل الثري، ولا فائدة لمسؤولٍ يأمر بتعليق جدارية ضخمة له، رحمه الله، وهو لا يرى للمنصب من دورٍ سوى قضاء مصالحه وشق طريقه أكثر لمآربه الشخصية الضيقة، فزايد كان لا يرى إلا الصالح العام، ولا يأمر إلا بما فيه خير الآخرين، ويكفيه أننا لم نسمع له يوماً كلمة أو خطبة أو قصيدة يقول فيها «أنا»، ولو امتدح نفسه لما لامه أحد، فهو أجدرُ من مُدِح وأحق من يُمْدَح، ولا خير في إدارة تعرف إقامة احتفالية لهذه الذكرى لكنها لا تعرف أن تجتهد لتخفف معاناة الناس أمام طاولات مراكز خدمة العملاء، ثم بـ«غلاسة» وثقل دم يوزعون الوجوه الورقية الصفراء المبتسمة، بينما كان زايد يشق بنفسه أفلاج العين المندثرة ويسقي النخيل، ويُعين الناس ويستمع لمن يشتكي إليه ويأمر ليل نهار بما يُخفّف عن الناس، ولا رجاء في كذوب مخادع سيئ اللسان مهما وضع في خلفيات حسابه بوسائل التواصل الاجتماعي صور زايد، فزايد كان أحشم الناس في الناس وأصدقهم حديثاً، وأبرّهم وعداً، وأجملهم خُلُقاً، وأكملهم مروءة، وأعفّهم لساناً، وأصلبهم ديناً، وأشجعهم في الحق، وأغْضَبَهم في رد الباطل.

إن أردنا الاحتفاء بعام زايد فلنراجع أنفسنا، فزايد، عليه رحمات الله، أكبر بكثير من مجرد صورة تُعلّق هنا وهناك، وأعظم بكثير من احتفالية تُقام وقصائد تُلقى وخُطب تُدبَّج، نريد أن نحيا زايد، أن نعيشه، أن نجعل خصاله النقية تنمو في دواخلنا لِتُزْهِر على سلوكياتنا فيعمّ بها الخير، أن نتأسى به وبما فعل، وكيف كان يفعل، نجتهد كما اجتهد، ونصدق كما صدق، ونحب الخير للجميع كما أحبّه، وأن نكون بُناةً للوطن وردءاً له كما كان، لنختصر على أنفسنا الأمور فلنسأل أنفسنا على الدوام: «ما الذي كان زايد سيفعله لو كان موجوداً هنا؟».

لا نريد أن يرى العالم أنّ زايد غرس الصحراء جناناً وأشجاراً وبَذَر لوطنه مستقبلاً جميلاً، بل نريد أن يرى الجميع قبل ذلك أنّه بَذَر أخلاقاً حسنة وطباعاً سامية ونمّى أرواحاً نقية وقلوباً للخير محبة تميّز أبناءه عن سواهم، نريد أن نتأسى بأخلاقه وأن نحاكي سلوكياته وأن نتشبّه بعلو همّته وسمو مطلبه، وأن ننقب طويلاً لنعرف ما ميزه، رحمه الله، عن غيره من أفذاذ القادة، لا نريد أن نكتفي بالصور فقط ولا أن يكون مبلغ جهدنا إقامة احتفالية بخُطبٍ رنّانة وقصائد طنّانة، فنحن لن نزيده مجداً، لأنه قد بلغ بنفسه من المجد مرتبة تناطح الطِباق العُلا، من أحبّ زايد فعلاً فليتأسَّ به وليتعلم من أخلاقياته وليَسِر على نصائحه وتوجيهاته، زايد كان روحاً وثّابة وإنساناً عظيماً وقلباً كبيراً ومنظومة قيم عليا لا حدّ لها، زايد، رحمه الله، لم يكن صورة جدارية فقط نتسابق على وضع الأكبر حجماً منها على مبانينا لنُباهي الآخرين!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عام زايد الذي نريد عام زايد الذي نريد



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

إطلالات حمراء جريئة للنجمات على سجادة مهرجان البحر الأحمر

القاهرة - صوت الإمارات
شهد مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة لعام 2024 حضوراً لافتاً لعدد من النجمات اللواتي اخترن اللون الأحمر الناري لإطلالاتهن على السجادة الحمراء.هذا اللون الجريء الذي يعكس القوة والجاذبية، كان العنصر المشترك بين العديد من هذه الإطلالات التي أثارت إعجاب الحضور ووسائل الإعلام. كانت الإعلامية الشهيرة ريا أبي راشد من بين أولئك الذين جذبوا الأنظار بإطلالتها الأنيقة. ارتدت فستاناً طويلاً باللون الأحمر الناري، تميز بتصميمه الواسع الذي أضاف لمسة من الفخامة على إطلالتها. كما اختارت ريا ترك خصلات شعرها منسدلة على الأكتاف، مما أضفى على مظهرها لمسة من البساطة والأنوثة. أما الفنانة هند صبري، فظهرت بفستان طويل مزود بفتحة ساق جريئة، وهو ما منحها إطلالة مميزة على السجادة الحمراء. صبري اختارت تصميم الأوف شولدر الذي يبرز جمال ا...المزيد

GMT 12:08 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

يتناغم الجميع معك في بداية هذا الشهر

GMT 17:57 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

قاوم شهيتك وضعفك أمام المأكولات الدسمة

GMT 15:49 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

صفاء مصطفى تكشف عن تشكيلة مُميزة لـ "إكسسوارات" شتاء 2019

GMT 16:47 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

بي ام دبليو تعمل على الجيل الجديد من "M3" بتمويهات كثيفة

GMT 11:54 2013 الجمعة ,05 تموز / يوليو

20 منحة للمتفوقين في كلية حمدان الإلكترونية

GMT 17:58 2012 الأحد ,30 كانون الأول / ديسمبر

زويل و"البرنامج" في ليلة رأس السنة على "cbc"

GMT 17:45 2013 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

ندوة في الجامعة الاميركية عن القوى العالمية

GMT 12:39 2015 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

علامة "جيمي شو" تقدم حقيبة "كاندي باريس" الحصرية

GMT 13:41 2017 السبت ,24 حزيران / يونيو

الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان يزور محمد بن ركاض

GMT 12:50 2016 الثلاثاء ,21 حزيران / يونيو

"البسيمة" مع الشيف أسامة السيد لحلو الإفطار

GMT 20:53 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 03:02 2019 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

"قدم محمد صلاح اليمنى" تسيطر على صحف بريطانيا وأسبانيا

GMT 08:14 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

«غوغل» تطور «أندرويد Auto»

GMT 16:28 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

الصين تعلن عن دورات مياه جديدة ذات تقنية مميزة

GMT 13:30 2013 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

تونس في المرتبة 60 عالميًا في مجال الأداء الطاقي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates